Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الاحتـرام للـراتب !

من الـمتوقّع إذاً، أن يقوم ذلك الـموظف التعيس فـي مُـجتمع وظيفي قاهرٍ، بالتـركيز على أهم ما يـحتاجه من الوظيفة وهو الـمردود الـمالـي، غيـر آبهٍ بأي تبعاتٍ إيـجابيةٍ أو سلبية لوظيفته

A A
يواجه بعض الـموظفيـن تساؤلاتٍ مُزعجة تستفزّهم كلّ صباحٍ لدى الذهاب إلـى أعمالـهم والانـخراط في نشاطات مُـجتمعهم الوظيفي: لـماذا لازلنا نذهب للعمل على الرغم من منغّصاته النفسية الكثيـرة ؟، ماهو الدافع القوي الذي يـجعلنا نستيقظ كلّ صباحٍ وننـهض من السرير لنتحمّل جهد عملٍ مُـملّ في بيئة مُـحبِطة مُرهقة للأعصاب ؟، وكيف يُـمكننا استيعاب وظائف لا تلبـّي الاحتياج الإنسانـي الأساسي من الاحتـرام والتقدير؟ .. فيكون جوابـهم لأنفسهم: «الاحتـرام للراتب» !.

قد تبدو الإجابة أنانية مادية بـحتة، لكنها وللأسف واقعية دون مُـواراة أو خداعٍ للنفس .. فكثيـرون - وبشكل يومي - مُضطرون لاحتمال مُـجتمعٍ وظيفي يغصّ باضطراباتٍ سلوكية وفسادٍ إداري، فضلا عن تعاملهم مع أفرادٍ يُـعانون من اضطرابات في الشخصية يصعُب علاجها، وبيئة إدارية مزعجة، وتـحمُّلهم كلّ ذلك في أساسه من أجل مقابلٍ مالـي يُقيم أوَدهم، ولا يـمكنهم العيش من دونه أو الاستغناء عنه، في ظلّ ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وندرة الاختيارات الوظيفية، على الرغم من تـمتّع بعض أولئك الـموظفيـن بشهاداتٍ وكفاءاتٍ يُـمكن وصفها بالنادرة.

ثـمّ لـماذا يهتمُّ ذلك الـموظف بـما يرشَح من يومه من إنتاج عَملي ونتاجٍ وظيفي، وهو مُهمّشٌ مُهمَل، لا يؤخذ برأيه ولا يُـعتدّ بوجهة نظره في عمله وتـخصصه، ولا يُهتَمّ بـمُطالباته الـمنطقية النظامية، في بيئة عملٍ تفتقر إلـى أهم مقوّمات الـحياة الوظيفية من تقديرٍ واحتـرامٍ وتعاملٍ إنسانـي ؟!.

من الـمتوقّع إذاً، أن يقوم ذلك الـموظف التعيس فـي مُـجتمع وظيفي قاهرٍ، بالتـركيز على أهم ما يـحتاجه من الوظيفة وهو الـمردود الـمالـي، غيـر آبهٍ بأي تبعاتٍ إيـجابيةٍ أو سلبية لوظيفته

، ولولا التـربية الكريـمة والضميـر الـحي ورادع بعض الأنظمة التي مازالت تعمل، لأَخلّ الـموظف من أولئك بأصول مهنته وأساءَ إلـى مؤسسته، في ردة فعلٍ نفسية تلقائيةٍ على سوء الـمُعاملة التي يتلقاها والقمع الإداري الذي يرزح تـحت ضغطه، لكنه يعودُ مُـتحرّجاً من لقمة عيشه، مُصبِّـرا نفسه، مُبدياً احترامه لـما يشجّعه حقاً على العمل يومياً، وهو الراتب الشهري.

أختم بقول يُـنسب للروائي والفيلسوف الروسي (فيودور دوستويفسكي): «نـحن أقوياء، لا عليك من كلام الـمُحبِطيـن، نـحن نستيقظ كلّ يوم لنعيش الـحياة نفسها في الـمكان نفسه، مع نفس الأشخاص .. هذا بـحد ذاته كفاح».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store