جرأة القيادة

كثيرة هي الكتب التي تتحدث عن خصائص القائد الناجح، غير أن أحد أبرز تلك الكتب في اعتقادي هو كتاب «جرأة التصرف» The Courage to Act الذي يتحدث تحديداً عن أحد أهم تلك الخصائص وهي خاصية الإقدام والجرأة في اتخاذ القرارات. مؤلف الكتاب هو «بن بيرنانكي» الذي شغل وظيفة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من 2006م إلى 2014م، وهي الفترة التي شهدت عام 2007م أزمة الرهن العقاري التي تعتبر أسوأ أزمة اقتصادية بعد الكساد الكبير عام 1929م، ولعب برنانكي دوراً كبيراً في تجاوزها ومن ثم تجنيب الولايات المتحدة والعالم كارثة كبرى غير مسبوقة. جرأة القيادة التي تعامل بها بيرنانكي مع الأزمة كما وصفها في كتابه تضمنت خمس جوانب مختلفة هي:1- الجرأة في مواجهة الحقيقة: ويتضمن ذلك الاعتراف بالمشكلة، وتجنب استخدام أسلوب الإنكار أو التسويف أو التهوين على أمل أن تحل المشكلة نفسها بنفسها، أو الاكتفاء بتوجيه اللوم للغير في التسبب بها. هذا الأسلوب غالباً ما يؤدي الى تفاقم المشكلة وربما يلحق ضرراً فادحاً بالمنظمة أو الصناعة، في حين أن الحل يكمن في مواجهة المشكلة والتعامل معها بالإبداع والتوظيف الذكي للإمكانات المتاحة. 2- الجرأة في الاعتماد على الآخرين: هذه الجرأة تنطوي دون شك على قدر من المخاطرة، لكن المخاطرة الأكبر تكمن في عدم الثقة بالفريق ومحاولة الاستحواذ على كافة القرارات وتهميش الآخرين والتقليل من قدراتهم. إحساس بعض المسؤولين أن بمقدورهم وحدهم عمل كل شيء بمعزل عن فريقهم هو قطعاً أسلوب خاطىء غير محمود العواقب. 3- الجرأة في اتخاذ القرارات في ظروف عدم التأكد والمخاطرة: إن مهارات القيادة الحقيقية لا يتم قياسها في ظروف العمل السهلة وتوفر الإمكانات، بل يتم قياسها بكيفية التعامل مع الأزمات في الظروف الصعبة وقلة الموارد. 4- الجرأة في العمل خارج حدود الرغبات والمعلومات: عندما تكون أمور العمل مرضية ومستقرة فإن التطوير يتطلب جرأة كافية. التطوير هو عملية مستمرة في الرخاء والشدة، والبعض يفضل الاكتفاء بالحفاظ على الوضع الراهن دون مساس خوفاً من تبعات التغيير والتطوير، كما يفضل البعض حصر العمل في حدود معلوماته وتجاربه الشخصية ويقاوم ويرفض أي اقتراح وتطوير خارج تلك الحدود. 5- الجرأة في فرض المعايير الصارمة: أخيراً يرى الكاتب أن من المهم أن يتميز القائد بالقدرة على وضع معايير وقواعد عمل صارمة والتأكد من تطبيقها على نفسه وعلى الآخرين. ختاماً، السيادة والريادة والتفوق هي أمور ليست سهلة المنال، فهي تتطلب وجود قائد لا تنقصه الجرأة والإقدام.. قائد يعمل على ممارسة تلك الصفات وزراعتها في نفوس موظفيه بدلاً من زراعة الإحباط وعدم الثقة في نفوسهم. يقول الشاعر:لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ.. الجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ