Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

لا.. لتدويل القدس! (1)

A A
لكَم اعتصرني الألم وأنا أقرأ المقطع الأخير من مقال الدكتورة لمياء باعشن «تدويل قطر»، الذي نُشر في جريدة المدينة 8/2/2018م؛ حيث قالت: «وقد كان الأولى بقطر وبـ«متداوليها» أن يُوجِّهوا مطالبهم بالتدويل نحو القدس، التي اتخذتها إسرائيل عاصمة حصرية، وهي في الواقع حق مشاع لكل مسلم ومسيحي ويهودي في كل دول العالم».. وهنا أسأل: متى كان الدين معيارًا للهُوية والتقسيم؟ معروف أنّ الموقع الجغرافي هو الذي يُحدد هوية المنطقة وملكيتها، لا ديانة سكانها، فمكة المكرّمة والمدينة المنورة جغرافيًّا مدينتان تقعان في الحجاز منذ الأزل، ولهما مكانة مقدسة عند مليار ونصف مسلم، ولكن لا يعني هذا أن تكونا حقًّا مشاعًا لهم، فالتقسيم الجغرافي لم يكن مطلقًا على أساس الدين، وكما لا نقبل بتدويل الحرميْن الشريفيْن، لا نقبل بتدويل القدس.

وأسأل الدكتورة لمياء: ما أبعاد ودلالات مصطلح «الحق المشاع»؟

الحق وثيق الصلة بالقانون، ولا يوجد حق إلّا وكان القانون مساندًا ومشاركًا له، والملكية الشائعة: تشمل جميع عناصر الملكية: (حق الاستعمال، والاستغلال، والتصرف)، ومن ثم فللمالك على الشيوع هذه الحقوق الثلاثة. فمقولتِك: «القدس حق مشاع لكل مسلم ومسيحي ويهودي في كل دول العالم»، سلبتْ حق الاستعمال والاستغلال والتصرف في مدينة القدس من الفلسطينيين أصحاب الأرض، وأعطته لمن لا حق لهم فيه، وأكسبته الشرعية القانونية!

كنتُ أنتظر منكِ يا دكتورة البحث في مصطلح «الحق المشاع» وأبعاده، قبل إطلاقه على القدس، خاصةً وأنّ لك أكثر من خمسة وعشرين بحثًا في التراث والدراسات النقدية واللغوية.

وكوْن القدس تحت الاحتلال الصهيوني، ومحاولاته تهويدها بتغيير ديمغرافيتها السكانية، وجعلها عاصمة أبدية له، وصدور قرار الرئيس الأمريكي ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، باعترافه أنّها العاصمة الأبدية له، لا يُلغي حق الفلسطينيين في كامل القدس، فهُم أصحابها، ولا يحق لأحد مشاركتهم فيها، كما لا يحق لأحد أن يتنازل عن شبر من أرض القدس لأحد، بمن فيهم الفلسطينيين أنفسهم؛ لأنّها ليست ملكًا لهم فقط، بل هي ملك لهم وللأجيال القادمة، إلى أن تقوم الساعة.

ثمّ إنّ في مقولتِك: «إنّ القدس حق مُشاع لكل مسلم ومسيحي ويهودي في كل دول العالم»، مغالطة تاريخية كبرى، وترديد لمزاعم المحتلِّين، فليس لليهود حق، لا في القدس ولا في فلسطين بأكملها، ففلسطين بكاملها عربية كنعانية، وأدلة ذلك:

1- يُحدِّثنا التاريخ بعدم وجود أي مدينة في فلسطين بناها اليهود أو تحمل اسمًا يهوديًّا، فأسماء جميع قرى ومدن فلسطين كانت وما تزال كنعانية عربية، فلقد كانت أرض كنعان عامرة بمدنها وقراها ومزارعها، قبل أن يحضر إليها إبراهيم الخليل -عليه السلام- بأكثر من ألف عام، بل لم يكن لبني إسرائيل أي وجود تاريخي فيها في زمن داود وسليمان -عليهما السلام- أكثر من خمسة آلاف عام. فحبرون (الخليل) مثلًا كانت مدينة مزدهرة قبل مجيء الخليل -عليه السلام- إليها، ونزل في شكيم (نابلس)، واستقبله ملكي صادق كاهن أورشليم الكنعاني وحاكمها.

2- اسم فلسطين في التوراة «أرض كنعان»، فجاء في الإصحاح 15 من سفر التكوين: «فقال لأبرام اعلم يقينًا أنَّ نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم» (13-17)، بل الغربة فُرضت على إبراهيم وابنه إسحاق وحفيده يعقوب في أرض كنعان، «وسكن يعقوب في غربة أبيه إسحاق في أرض كنعان» (تكوين: 37/1)، «وجاء يعقوب إلى إسحاق أبيه إلى ممرا، قرية أربع، التي هي حبرون، حيث تغرَّب إبراهيم وإسحاق» (تكوين: 35/27)، فكيف تكون أرضهم، وقد كتب الله عليهم الغُربة فيها؟

3- نفي عالم الآثار الإسرائيلي «إسرائيل فلنكشتاين» أي صلة لليهود بمدينة القدس، ويرى أنّها لم يعش فيها اليهود مطلقًا، ولم يتم بناء أي هيكل على مر العصور، وأنّ قصص الهيكل مجرد قصص مختلقة. وفيما يتعلق بهيكل سليمان فلا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنّه كان موجودًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store