Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

زوما وموجابي لا يستويان!

إضاءة

A A
لأن جنوب إفريقيا -بظروفها السابقة والحالية- تختلف عن زيمبابوي؛ ولأن الممارسة الديمقراطية تختلف في الأولى عن الثانية، وعن كل بلاد إفريقيا، باستثناء السنغال؛ يصبح من الظلم مقارنة الرئيس المُقَال أو المستقيل «جاكوب زوما» بالرئيس الزيمبابوي «روربرت موجابي»!.

صحيح أن الرئيسين دُفِعَا دفعًا لتقديم الاستقالة؛ لكن الأمر يختلف في كيفية وصول وسيطرة ومدة كليهما في الحكم؛ فضلا عن طبيعة الحكم نفسه؛ وعن ظروف البلدين؛ فضلاً عن تربية وثقافة الشعبين؛ مع الاحترام لكل شعوب الدنيا!

لقد جاء «زوما» بانتخابات حقيقية ووسط منافسة حامية؛ وهو الذي كان نائبا للرئيس «مبيكي»، الذي كان نائبا للزعيم «نيلسون مانديلا».

وقد استمر حكم «زوما» 9 سنوات، كان يمكن أن تمتد قليلا لولا شبهة الفساد وركود الاقتصاد.. ولأن حزبه هو الذي يعرف أكثر من غيره خطورة الأمر، فقد ثار عليه مطالبا إياه بالاستقالة، احتراما لتاريخ الحزب الذي هو تاريخ النضال من أجل الديمقراطية التي أسسها «مانديلا».

أما «موجابي»، فقد جاء من منفاه محمولا على الأعناق، ليترأس أول حكومة عام ١٩٨٠، ومن يومها وهو ومجموعته يُمارسون كل أشكال الديكتاتورية، ويتورَّطون في كل أنواع الفساد.

٤ عقود قضاها «موجابي» في الحكم، فُنِيَت فيها أجيال دون أن يتحقق لزيمبابوي شيئا ممَّا تحقَّق لجنوب إفريقيا.

لقد باتت جنوب إفريقيا بفضل قِيَم التعددية وحرية التعبير والمساءلة التي أرساها «مانديلا»، أرخص دول العالم في تكلفة المعيشة، فيما تراجعت زيمبابوي إلى القاع.

أما عن ظروف الإقالة، ومدى تقبلها، فقد مضت على النحو التالي: «موجابي» يُهدِّد تارة ويناور أخرى، ويهذي في خطاب الاستقالة المنتظر، مؤكدا أنه سيظل الرئيس! و»زوما» يحاول حفظ ماء وجهه قبل أن يقول: استقلت للأسباب التالية:

لا أسمح بإراقة الدماء.. لا أسمح بانقسام الحزب.. لا أسمح بانقسام الشعب.. لا أسمح بانقسام الوطن.

هكذا لم يشفع تاريخ «زوما» له، وهو الذي كان عضوا في الجمعية الوطنية، ومعشوقا للطبقات الفقيرة، ونائبا لـ»مبيكي» الذي كان نائبا لـ»مانديلا».. فإذا حضر الفساد.. لابد من المغادرة، لأن البيئة الديمقراطية السليمة تلفظه.

كنت أتابع المشهد في جنوب إفريقيا الذي مضى على هذا النحو:

يجتمع البرلمان سريعاً، ويتلقف استقالة «زوما» بغبطة واضحة.. يعلن الحزب الحاكم اسم الرئيس الجديد «راما فوسا».

ترفض المعارضة اختيار الحزب.

يغادر بعض نوابها القاعة استعدادا لخوض شوط جديد من المعارضة على ملعب الديمقراطية.

تقف نائبة مستقلة متسائلة -بل مُحذِّرة ومُهدِّدة- الرئيس الجديد: هل ستحترم الدستور؟.

يرد الرئيس بأدب: نعم سأفعل!

طفت في دول إفريقيا من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، وأيقنت أن الديمقراطية تربية! ولأن ذلك كذلك، فقد انشغل «مانديلا» أثناء السجن «٢٧ عاما»، وأثناء الحكم ٥ سنوات، بالمساهمة في تربية وتثقيف الشعب على قِيَم التعددية.

لقد اتهم «مانديلا» بكل التهم الممكنة، بدءاً من الخيانة، ووصولاً إلى دعم الإرهاب، مروراً بتخريب الوحدة الوطنية، والإضرار باقتصاد البلاد، والاتصال بجهات أجنبية.. قبل أن يصبح أيقونة الديمقراطية والحرية في العالم، وقبل أن يطلق عليه الشعب عن قناعة وحب لقب «أبو الأمة».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store