Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

إسلامٌ بلا حروب! (١)

A A
منذ أسابيع التقى الصديق الدكتور محمد حبش بالبابا فرانسيس، وأهداه كتابًا له بالعنوان المكتوب أعلاه.. يستحق الكتاب القراءة والتفكير من عدة وجوه، سيتم تداول بعضها في هذا المقال.. المفارقة في الموضوع أن أستاذًا في الشريعة، وهو صديقٌ للدكتور، ذكّرَه، بمناسبة الموقف، بما يلي: «شريعة الإسلام ألغت كل الشرائع السابقة لها إلا ما وافق شرعنا.. علينا أن ندعو الجميع إلى الإسلام.. ومن لم يسلم فإما الجزية وإما الحرب، فكيف إسلام بلا حروب؟».

هذا ليس مقام الدخول في الحوار الذي جرى بعد ذلك، فهو أمرٌ يخص أصحابه، وإنما المقصود الإشارة إلى دلالاتٍ تتعلق بأي محاولةٍ تجري في واقعنا للمراجعات، ولقراءة التراث والمدونة الفقهية التقليدية بشكلٍ ناقد، والعمل على تحليلها وتفكيكها، كونها إنتاجًا بشريًا نهاية المطاف، الأزمة الأكبر في الموضوع أن الموقف المذكور لا يقتصر على منع المراجعات، بما ينتج عنه من ترسيخٍ لكل السلبيات التي لا يمكن إلا أن تُوجد في أي جهدٍ بشري، بدليل الواقع البائس الذي نعيشه عربًا ومسلمين، وإنما يمتد إلى اتهام من يحاول ممارسة المراجعات، بكل التهم المعروفة.

لسنا هنا أيضًا في معرض الدفاع عن الدكتور حبش، فهو أقدرُ على ذلك، وثمة مساحات اختلاف في الرؤية أصلًا معه في عدة مجالات، يجري الحوارُ فيها، لكن هذا لا يتضارب مع إدانة ما حصل بعدها من إدخال كتابه وموقفه مع البابا، مباشرةً، في إطار التصنيف بالانهزامية والعمل لتحريف الدين، بل وهدمه، إن لم يمتد إلى العمالة والارتباط المباشر، بالغرب تحديدًا.

بعد بضعة أيام من اللقاء المذكور، زار الفاتيكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولا نعلم إن وُجد ثمة من سأله ما إذا كان قد دعا البابا إلى الإسلام، أو (حَصّلَ) منه الجزية خلال الزيارة.. لكن الأرجح أن كثيرين فكروا بتلك الطريقة، حتى لو لم يبادروا إلى عمل شيءٍ بخصوصها.

البابا من البشر أيضًا، وكذلك حالُ صاحب هذه الكلمات، وكلٌ يؤخذ من كلامه ويُردّ.. لكن التعامل مع هذه القضايا دون الإحاطة بكامل الصورة يبقى، دائمًا، اختزالًا وتسطيحًا، يبدوان من بلايا الثقافة المعاصرة العربية والإسلامية.

ففي مثل هذا الزمن، سيكون من الخير، للعرب والمسلمين، والبشرية جمعاء، أن يكون بابا الكنيسة الكاثوليكية هو الرجل الذي في ذلك الموقع الآن، يكفي هنا مثالٌ واحدٌ من مواقفه يتجلى في رده، منذ أكثر من عام، على سؤال عن جريمة قتل الكاهن جاك هاميل، الكاهن الفرنسي المسنّ الذي ذُبح أثناء احتفاله بالقداس، كان السؤال «لقد قلتم لنا إن كل الأديان تسعى إلى السلام، لكنه قُتل باسم الإسلام، لمَ لا تأتي أبدًا على ذكر كلمة إسلام لدى حديثكم عن الإرهاب؟» أما إجابة البابا فقد كانت: «لا أحب التحدث عن عنفٍ مسلم لأنني أقرأ عن العنف يوميًا عندما أتصفح الجرائد هنا في إيطاليا: تقرأون عن شخص قتل صديقته أو حماته، هؤلاء هم كاثوليك معمَّدون عنيفون، إذا تحدثت عن العنف المسلم، هل يجب أن أتحدث أيضًا عن العنف الكاثوليكي؟ ليس كل المسلمين عنيفين... الأمر المؤكد هو أن هناك دومًا مجموعة صغيرة من المتطرفين في كل دين، لدينا نحن مجموعة منهم، وعندما يصل التطرف إلى حد القتل -القتل باللسان، هذا ما يقوله الرسول يعقوب وليس أنا، والقتل بالسيف- ليس من الصائب مطابقة الإسلام مع العنف... العنف موجود في كل مكان، فكروا بالإرهاب القبلي القائم في بعض البلدان الإفريقية.. الإرهاب ينمو حيث لا يوجد خيار آخر..، الآن أريد أن أقول شيئًا قد يكون خطيرًا، عندما تجعلون الإله (المال) محور الاقتصاد العالمي بدلًا من الرجل والمرأة، هذا يعتبر الشكل الأول من أشكال الإرهاب، لقد محوتم عظمة الخلق ووضعتم المال في المحور.. هذا شكل أساسي أولي للإرهاب.. لنفكر في ذلك».

ونعود للكتاب نفسه في الجزء المقبل من المقال.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store