Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

النضال الإنساني لتحقيق المعاني

هو هذا الإيمان بأن للحياة أكثر من زاوية يمكن لكل إنسان أن يختار زاويته التي تناسب قدراته وإمكانياته، ثم لا يمل أو يكل من التطلع إلى الانتقال إلى زاوية أخرى أكثر اتساعاً وإشراقاً لكن بالعمل والأمل لا بالأوهام والانفصال عن واقعه والعيش في الأحلام دون مجهود ودون تحلٍّ بالمعاني الإنسانية السامية ينبوع السعادة الخالد رغم رحلة الحياة القصيرة وحتمية الفناء.

A A
هل صحيح أن المعاني المطلقة، كالعدالة، الحب، والحرية؛ أوهام يخلقها الإنسان، طالما أن الإنسان يحكمه الموت حتماً، وبذلك لا معنى لسبب عميق للعيش، ولا جدوى للعذاب والألم؟.

أو كما يقول كامي:»ما هو سبب للعيش هو سبب ممتاز للموت» لكنه/ كامي، يرى أن عدم فهم الإنسان للحياة وثقلها والعادة التي يفرضها الوجود عليه يؤدي بذلك الإنسان المدرك لذاته إلى شعوره بأن تلك الحياة لا تستحق العناء إلا أنه يستمر في أداء الحركة التي يفرضها عليه الوجود. انتهت عبارة كامي كما انتهت فلسفة العبث وأدبه وفنونه لأنها تناقض الفطرة الإيمانية بوجود الخالق المتصرف في الخلق والوجود، وعلى الإنسان أن يتفاعل مع الحياة طالما أن في قلبه نبضاً وإيماناً ومحبة.

كثيرٌ من الناس - للأسف - يشعر أحياناً بهذا الإحساس العبثي عندما لا يجد له هدفاً، أو أنه يبحث عن هدف ولا يتمكن من تطويع مقدرته على الوصول لهذا الهدف، أو تحقيق شيء من آماله وطموحاته وأحلامه « فيكفر « بكل المعاني السامية التي تعطي للحياة نكهتها المميزة لكل إنسان على حده رغم حتمية موته إلا أن العدالة والحب والحرية ترسخ مفهوم الديمومة مع القناعة بأنه لا دائم إلا الله سبحانه وتعالى.

مفهوم قوله تعالى « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ « 4 سورة البلد، لا يعني عذاباً عبثياً كعذاب سيزيف في الأسطورة اليونانية؛ بل إيماناً عميقاً بأن الوصول إلى السعادة بالنضال الشريف من خلال معاني العدالة والحب والحرية والإخلاص والنزاهة والاحترام المتبادل بين الصغير والكبير، الغني والفقير، التراحم والتكافل، كل هذه المعاني هي التي تعطي للحياة رغم قصرها وحتمية نهايتها، المعنى الوجودي والإنساني، وتحقق الإحساس بالسعادة.

فكرة السعادة في القناعة أيضاً معنى وجودي مهم ربما لم يعد مقنعاً في عصر أصبح فيه الإنسان راكضاً ومبهوراً بامتلاك كل شيء، وعندما يحصل عليه يعود مرة أخرى للركض خلف امتلاك شيء آخر، ويكتشف خلال هذا الركض والانبهار ومشاعر السعادة المؤقتة والرغبة المتأججة أنه ليس سعيداً وأن مابين يديه قبض الريح، مع أن بإمكانه أن يقنع بما بين يديه ليفتح باباً للسعادة تدخل منه، ثم يكتشف أن الباب اتسع لمعانٍ أخرى يدعم بعضها بعضاً في تناغم وانسجام.

عندما سألت بعض الشعراء والمثقفين يوم 14 فبراير، في نقابة الصحفيين في مصر، ماذا قدمتم لزوجاتكم في عيد الحب، قال لي أحدهم لو دخلت لزوجتى بوردة ستضربني لأن البيت ينقصه الكثير هي بحاجة إلى ضروريات الحياة.

رغم ذلك لم يفقد قدرته على الإبداع والمرح، هو هذا الإنسان الذي يناضل بموهبته، بفنه، بعلمه، بإنسانيته، بكل ما وهبه الله له من إمكانيات ذاتية ليتغلب على قسوة الحياة وعذابات الحاجة وآلام الروح والجسد.

هو هذا الإيمان بأن للحياة أكثر من زاوية يمكن لكل إنسان أن يختار زاويته التي تناسب قدراته وإمكانياته، ثم لا يمل أو يكل من التطلع إلى الانتقال إلى زاوية أخرى أكثر اتساعاً وإشراقاً لكن بالعمل والأمل لا بالأوهام والانفصال عن واقعه والعيش في الأحلام دون مجهود ودون تحلٍّ بالمعاني الإنسانية السامية ينبوع السعادة الخالد رغم رحلة الحياة القصيرة وحتمية الفناء.

عندما تنظر للمرضى تحمد الله على الصحة، وعندما تنظر إلى المحتاجين لأبسط مقومات الحياة تحمد الله على النعمة التي بين يديك، وعندما تنتابك مشاعر العظمة والكبرياء تذكر أن لا شيء دائم إلا الله، لتستعيد إنسانيتك وطبيعتك البشرية المجبولة على مكابدة الحياة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store