Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الغوطة تقول لك: ماذا جنيت؟ وما الذي أبعدك؟!

إضاءة

A A
أيها الأخ العربي الأبي الذي كان! ها هي الغوطة السورية الشرقية تحتضر الآن.. ولأنها باتت تعرف دورك التاريخي في الدفن والتعزية، فإنها تقول لك ولإخوتك: فصّلوا الأثواب الداكنة والقمصان.. للمدن العربية التي ستكون ذكرى للهوان!

ولا تنسوا أن تأخذوا من الأكفان.. ترضيةً لصهيون وكسرى.. وخذوا لأبرهة وقيصر.. وخذوا وخذوا.. وإن لم تجدوا.. فانتظروا مذبحة أخرى وأكثر!

بمناسبة الغوطة وبمناسبة درعا وغزة والقدس وحلب.. أتعجَّب ممَّن يتعجَّبون مما يُسمّونه الصمت الدولي بل والعربي غير المبرر!

أتعجب كذلك ممن يُردِّدون عبارات من قبيل: إنها جريمة لا يمكن للمرء أن يتصورها! ولا يمكن للضمير الإنساني أن يتقبَّلها!

أما مبرر الصمت الدولي، فهو باختصار.. المشاركة الدولية في المجزرة! وأما مبرر الصمت العربي فهو أيضاً باختصار أنهم أحكموا علينا الحصار!

القضية باختصار واضحة وساطعة وفاضحة أكثر من أي وقتٍ مضى، وهي خلق كيانات مجهرية طائفية في أرجاء الأمة العربية، يتمكن من خلالها عدوها الصهيوني العالمي الأساسي من تحقيق أهدافه وبسط نفوذه!

ولأنه هدف مشترك، فإن قلت إن إسرائيل هي العدو.. قالوا لك: بل طهران! وإن قلت: هما الاثنان.. قالوا لك: بل التركمان!

إنهم سماسرة طهران الذين فتحوا أبواب الأمة للفتنة وللأضغان.. ثم إنهم سماسرة إسرائيل الذين يتسللون الآن ويمكرون بداعي الحيلولة دون دخول الفرس ونصب الإيوان.

القضية الآنية باختصار هي تلاقي الأهداف الصهيونية والإيرانية في تصفية أو خلخلة الهوية العربية في فلسطين وفي اليمن وفي العراق وفي سوريا وفي لبنان.

الغوطة الشرقية الآن مثل القدس ومثل غزة ومثل حلب.. إنها تسألك: ماذا جنيت؟ ومن الذي غيرك؟، من الذي عني وعن القدس وغزة أبعدك؟ من الذي ضيعني وسيضيعك؟.

أواه يا أخي العربي الذي فيه مني بعضاً من دمي ومن دمك.. هل تسمح لي الآن أن أنكر فيك بعض دمي.. والاسم الذي يجمعني ويجمعك؟، هل تسمح لي أن أنكر البطن التي ضمّتني يوما معك؟، والثدي الذي بالكرامة والشرف قد أرضعك؟!

الغوطة العربية تسألك: لقد أعطاك طفل سوريا مثلما أعطاك أطفال فلسطين، كل ما يملكون.. فوق ما يملكون.. أعطوك دماءهم الطاهرة من أجل الكرامة والشرف، فماذا يصنعون أكثر من ذلك؟، قدموا أرواحهم من أجل أن يقتنع العرب بأنهم يمكن أن يكونوا أمة عزّة وكرامة، فهل نرد الهدية؟!.

إنه دور الطفل السوري بعد الطفل الفلسطيني الذي وقف ويقف صامداً في زمن الغدر والهزيمة.. صافياً في زمن العتمة والضباب.. وقوياً وحراً في زمن الانكفاء والانكسار.

أخيراً لمن يسألونني بين الحين والحين: لماذا يُسمّونك بالصحفي الحزين؟، أقول: لأنني الآن أمر في الصحف كل صباح، على وطن الحزن والجراح.. وحين أكتب أو أرسم من نزف الجرح، لوحة للعمر.. لا أرى في اللوحة ألوان.. غير القهر وغير الغدر وغير الذل وغير الأحزان!

فكيف أُغيِّر وجهي؟، كيف أُغيِّر هذي الألوان.. ما في اللوحة يا وطني الآن.. غير القتل وغير الهدم، وغير السفك وغير تراب ضيعه ويضيعه العربان!

الغوطة تكاد تحتضر، لكنها كغزة تقول: أيها اليأس تأنَّ واستحي وانتظر!

هناك جبال صبر وأجيال إرادة هي التي ستختم الخبر!

شدة وتزول! ما دامت أمة محمد تردد وتقول:

حسبنا الله ونعم الوكيل.. كلنا للجبار المنتقم.. سنؤول!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store