Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

بعد الستين: الدواء مجاني

ولعله الوقت الأمثل لتبني مثل هذا النظام الذي يقضي بصرف الأدوية لمن تجاوزوا الستين مجانا في الصيدليات الخاصة على نفقة الدولة إن كان الدواء بوصفة طبية حكومية، ذلك لأن هذه الفئة من الناس باتت ملزمة كغيرها بالقيمة المضافة ومثقلة بفواتير المياه والكهرباء وارتفاع أسعار الوقود، والغالبية العظمى منها من المتقاعدين الذين يحتاجون للدواء، كل يوم تقريباً

A A
في زيارتي الأخيرة إلى بريطانيا التي تتوفر فيها العديد من الخدمات الاجتماعية المجانية رغم قسوة نظامها الضريبي، وتشديدها لمنح تأشيرات الدخول إليها، في تلك الزيارة تعرضت لوعكة صحية عارضة، وتوقعت أن لا يُسمح لي بزيارة أي مستشفى أو مستوصف حكومي لأني لا أحمل إقامة دائمة أو مؤقتة، بل قدمت إلى بريطانيا بتأشيرة سياحية لمدة ستة أشهر فقط، وأشارت إليَّ ابنتي المبتعثة بزيارة مركز طبي حكومي يعمل طوال النهار ويسمى Medical Walk in Center، أي مركز طبي بدون مواعيد، وصحبتني إليه، وأحضرت معي جواز سفري بوصفه الإثبات الوحيد لهويتي وإقامتي النظامية، ففوجئت بأن موظفة الاستقبال سلمتني نموذجاً لأملأه، ليس فيه إلا خانات قليلة كالاسم وتاريخ الميلاد والعنوان، وليس فيه أي طلب لرقم جواز سفر أو جنسية، وملأتُه وانتظرت دوري ولم يطل الانتظار كثيراً، ودعتني الطبيبة بنفسها إلى غرفة الكشف وشخّصت حالتي وكتبت لي وصفة بالعلاج، وطلبت مني مراجعتها بعد أسبوع إن لم أتحسّن. وذهبت بالوصفة إلى صيدلية خاصة قريبة من المركز الطبي، وانتظرت حتى أُعِدَّ الدواء، واستلمته وسألت عن الثمن، ففاجأتني موظفة الصيدلية بأنه مجاني، رغم أنه باهظ الثمن، وحاولت أن أشرح لها أنه ليس لدي تأمين طبي خشية أن ترسل الفاتورة إلى عنوان ابنتي بعد سفري، فطمأنتني وقالت إن الحكومة البريطانية تصرف الدواء لكل المرضى الذين تجاوزوا الستين مجاناً بمعزل عن جنسياتهم أو نوعيات تأشيراتهم، وكان ذلكم برداً وسلاماً على نفسي، وشعرت بقيمتي بوصفي إنساناً، وبكثير من التقدير لسني في دولة أزورها ولا أنتمي إليها، وطالما وصفتها كما وصفها غيري من العرب والمسلمين بالدولة الاستعمارية الامبريالية المستبدة. فهذه المعاملة الإنسانية الرفيعة يندر أن نجدها في الدول الإسلامية كما لا نجدها في أمريكا مثلاً التي ترفع راية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذا مرضتَ فيها فحضِّر مئات الدولارات قبل أن تزور أي مستشفى أو مستوصف أو مركز طبي، كما حصل معي عشرات المرات. أما في بريطانيا فكل آدمي له حق زيارة المراكز الطبية المنتشرة في كل المدن بمعزل عن جنسيته أو تأشيرته، ولا يُسأل عن إثبات شخصية ويوثق فيه في كل المعلومات التي يملأ بها نموذج العلاج، ولا يتحسسون من كونه مقيماً غير شرعي أو ما إلى ذلك، فهو إنسان مريض وله الحق في العلاج، حتى لو كان ذلك على حساب دافع الضرائب البريطاني، وذلك أعظم امتثال ومثال لما جاء في الحديث الشريف «في كل كبد رطبة صدقة»، ولكم تمنيت حقيقة لو أن مثل هذا النظام يطبق في بلادنا المسلمة التي دستورها القرآن والسنة: سنة نبي الرحمة، فكم من مسن يراجع مستشفيات ومستوصفات حكومية وتوصف له أدوية عدة لا تكون متوفرة في الصيدلية التابعة للمستشفى وتُكتب له وصفة ليشتريها من صيدلية خارجية بمبالغ قد تتجاوز مئات الريالات وربما آلافها كما سمعت ورأيت بعيني في إحدى الصيدليات الأشهر في بلادنا، وذُهل المسن الذي طلب دواء معيناً، بأن قيمته ثلاثة آلاف ريال، ولم يشتره بالطبع وغادر الصيدلية منكسراً حزيناً، وقد تتوقف على ذلك الدواء حياته.
ولعله الوقت الأمثل لتبني مثل هذا النظام الذي يقضي بصرف الأدوية لمن تجاوزوا الستين مجاناً في الصيدليات الخاصة على نفقة الدولة إن كان الدواء بوصفة طبية حكومية، ذلك لأن هذه الفئة من الناس باتت ملزمة كغيرها بالقيمة المضافة ومثقلة بفواتير المياه والكهرباء وارتفاع أسعار الوقود، والغالبية العظمى منها من المتقاعدين الذين يحتاجون للدواء، كل يوم تقريباً، وبدل الغلاء الذي يُصرف لهم هذه السنة فقط مبلغ مقطوع 500 ريال شهرياً، الذي يغطي جزءاً من تكاليفهم فقط، ونحن المسلمين أولى بتطبيق مثل هذا النظام البريطاني الإنساني الرحيم الحكيم الذي يبعث على الإعجاب والتقدير.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store