Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
إبراهيم محمد باداود

لاحدود لسقف المخالفات

A A
لمن يتأمل ما حولنا من الأنظمة، يجد بأن أكثرها فاعلية هي تلك التي تسري على الجميع وبنفس الدقة والجدية والصرامة دون أن تُفرِّق بين هوية وشخصية مَن يقوم بالمخالفة، فأحد أهم معايير نجاح أي نظام أو أي قانون أو تعليمات هو تطبيقها على كافة أفراد المجتمع «صغيرهم وكبيرهم»، «غنيّهم وفقيرهم»، وبنفس المستوى والطريقة، ومن الأمثلة التي أصبحنا نواجهها اليوم والتي تتميز بتلك المميزات التي لا تُفرِّق بين أحد، هو نظام ساهر عند الإشارة المرورية، إذ نجد أن الناس جميعاً يقفون أمامها وبغض النظر عن تلك الفئة التي تقوم بتجاوزها، فهم يعرفون أنهم يُعرِّضون أنفسهم وغيرهم لخطرٍ كبير، وأنهم مُخالفون، وأن الكاميرات الموجودة قد رصدت أرقام اللوحات، وأن قيمة المخالفة في الطريق لهم.

في لندن وأمام متجر (هارودز الشهير) كثيراً ما نجد المواقع الإلكترونية تظهر خضوع سيارات فارهة لعقوبة المرور بسبب وقوفها في مكان يحظر وقوف السيارات فيه، وعلى الرغم من أن طراز السيارة يكون من الطرز الفارهة، والتي لا تقل قيمتها عن ملايين الريالات، إلاّ أن قيمة هذه السيارات -وقبل ذلك مكانة وثراء أصحابها الذين يعتقد أنهم من كبار رجال الأعمال أو من الطبقة المخملية المرموقة- لم يسمح لهم باختراق النظام، وتجاوز وضع سياراتهم في مكان لا يُسمح فيه بإيقاف السيارات، بل يتم تطبيق العقوبة عليهم مباشرةً ورصد المخالفة والتي في حالة التكرار سيتم رفع سقفها لمستويات أعلى قد تصل إلى الحجز.

رصد المخالفات وإصدار العقوبات في مختلف شؤون الحياة هو وسيلة لكي تعود الحياة إلى مسارها الطبيعي، ولكي نعيش في وسط مُنظَّم يتساوى فيه التعامل مع الجميع دون تفرقة، كما يطبق فيه القانون على الجميع دون تمييز، ومن أهم الدلالات على نجاح العديد من الأنظمة والقوانين هو في قدرتها على فرض مصداقيتها من خلال إظهار جدّيتها وحزمها وعدالتها دون الانحياز لفئةٍ دون أخرى، أو قبول الوساطات أو التساهل بمُسمَّى المرونة أو غيرها من الأساليب المختلفة التي تساهم في ضعف مصداقية تطبيق النظام والقانون.

(نظام ساهر) اليوم من الأنظمة الناجحة في هذا المجال، وها هو يوسع دائرة العقوبات على المخالفات، ويرفع من سقفها، فيضيف التحدث على الهاتف، كما يضيف عدم ربط حزام المرافق، ونحن بحاجة إلى مواصلة رفع مثل هذا السقف في كافة شؤون حياتنا، مع الحرص على تطبيق مفهوم المساواة والعدل والإنصاف وعدم خلق الأعذار والاستثناءات وغيرها من الحِيَل والمجاملات في معاملاتنا، حتى تصبح حياتنا حياة حزم وعزم وجدية وقِيَم يحترمها الصغير والكبير، ويشيد بها القريب والبعيد، ولم تنجح الأنظمة في مختلف دول العالم إلا من خلال هذا المفهوم الجاد العادل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store