Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عائشة عباس نتو

حكايات نجاح.. نورة عبدالله أنموذجا

مزامير

A A
‏بدأت قصتي مع ابنتي بعد الولادة مباشرةً، حيثُ شعرت أنها ليست مثل قريناتها، فقد كانت محدودة الحركة، وقليلة الانتباه. وبعد مرور عشرين يوماً على ولادتهاـ بدأ شعرها يتحوَّل إلى اللون الأشقر، فاعتقدتُ في البداية أن لون الشعر أمر وراثي في العائلة. تَأخَّرَت في الجلوس، واستمر قلّة انتباهها، كما أن حركتها ما زالت قليلة. ففي السنتين الأولى من حياتها توقعتُ أن هذه الأعراض طبيعية، حيث إن بعض الأطفال يتأخَّرون بالجلوس، ويكون انتباههم وحركاتهم قليلة، ومع تقدُّم عمرهم تتلاشى هذه العوارض. لكن الأمر مع طفلتي طال واستمر.

بعد سنتين من استمرار هذه العوارض، ذهبتُ بها إلى طبيب الأطفال، حيث اكتشف مرضها، حينما أخبرنا أنَّها مصابة بمرض التوحُّد، ولم نكن في ذلك الوقت نعرف هذا المرض، ولم نسمع عنه أبدا. ‏شرح لي الطبيب «المرض»، وأخبرني بأنه نادر في ذلك الوقت وحديث الاكتشاف بالنسبة لنا، وأنه يحتاج إلى حمية غذائية، ومعاملة خاصة، وعلاج طويل المدى.

‏أخبرنا الأخصائيون أن العلاج يعتمد على طريقة التعامل مع المرض، بدايةً من تعليمها للحركة والتكلم معها. وهذا كلَّف جهداً ووقتاً طويلاً، استمر ثلاث سنوات. وبعد معاناة، أصبحت تستطيع المشي وحدها بحمد الله.

من الصعوبات التي واجهتها في هذه المرحلة، أنها كانت لا تشعر بالخوف من الظلام. كان هذا الأمر يُفزعنا في ذلك الوقت، ونظل نبحث حتى نجدها في أحد أركان المنزل المعتمة.

‏في سن السابعة التحقت بمعهد التربية الفكرية، وتمَّت مساعدتي من قِبَل المعلمات، وهن متخصصات في التوحُّد. و‏بعد دخولها المدرسة كنتُ أحرص على أن أُعلِّمها الجوانب الذاتية، وأُركِّز عليها أكثر من الجوانب الأكاديمية في المدرسة.

في البداية، كنتُ حين أريد أن أُكسبها مهارة ذاتية، أتكلم معها وأوجّهها، وأنا أعرف أنها لا تعي ما أقول، لكن بالتكرار والإشارة باليدين وتعابير الوجه والحركات، نجحتُ في تعليمها بعض المهارات الذاتية، ‏مبتدئهً بارتداء الملابس، ثم غسل اليدين، ثم الأكل.

ابنتي لا تُحب أن يتغيَّر شيء في جدولها، مثل مواعيد الأكل، والأطباق التي تأكل بها، وترتيب ملابسها في أماكنها، ومكان جلوسها في المنزل، ومشاهدتها التلفاز، والنظافة الشديدة ليديها وفمها وكل جسمها. تريد أن يكون ‏كل شيء في وقته ومكانه، وإلا فستدخل في نوبة عصبية، وصراخ شديد.

الآن وبعد خمس عشرة سنة قضيتها في رحلة علاجية منذ اكتشفت مرضها، استطعتُ معها التغلب على عادات سلوكية وأنماط متكررة صعبة، وإن كانت الصعوبات لازالت موجودة، بسبب تغيُّر هرموناتها مع تقدُّم عمرها، وتقلُّب مزاجها، وصعوبة تقبّلها للتوجيهات أحياناً، إلا ‏أنها تعتبر نقلة في حياتها وحياتنا كأسرة لديها مريضة بالتوحُّد.

وأود أن أوجه رسالة لكل أم لديها طفل أو طفلة ‏مصابة بمرض التوحد، الصبر أولاً، واحتساب الأجر في كل ما تُقدِّمه، ولابد أن تعلم أن الألف ميل تبدأ بخطوة. ومع الاجتهاد ستجد التحسن دائماً. وكما علمتِ كيف تواجهين صعوبتك، سوف تتعلمين كيف تتغلبين عليها.

وأخيراً، أود أن أشكر كل من كان سندي -بعد الله- في هذه الرحلة العلاجية، حيث كان الجميع نِعمَ العون لي. ‏أدام الله علينا وعليكم نعمة الصحة والعافية، ولا أراكم مكروها فيمن تُحبّون، والحمد لله على نعمه.

تلكم هي نورة عبدالله.. أُمَّا لطفلةٍ توحُّدية، نموذجًا للصبر والعطاء معاً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store