Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

مريم.. والعنف في الشارع البريطاني

رؤية فكرية

A A
قبل مدة وجيزة من الزمن تعرّضت فتاة سعودية تدرس في المملكة المتحدة لحادث دوافعه عنصرية، على الرغم من أنها كانت ترتدي حجابًا إسلاميًا على رأسها وليس على وجهها، ولكن هذا اللباس الديني لم يشفع لها عند مجموعة أو شخص من المنتمين لتيار اليمين المتطرّف في بريطانيا، الذين يطلقون على أنفسهم مسمى «Nationalism Today»، وتعني «القومية الآن». والمعلوم أن هذه الفئة كانت تصدر مجلة تحمل الاسم نفسه، وتباع سرًّا، وهذه الجماعة هي التي أفسحت المجال لبروز ما عُرف باسم «حزب الاستقلال البريطاني/ UK Independence Party»، فهذا الحزب كانت أجندته التي دخل بها الانتخابات الأخيرة متطرفة، ولعل إقدام ديفيد كاميرون David Cameron، رئيس وزراء بريطانيا السابق، على إجراء انتخابات مبكّرة قد مكّن للاستفتاء على موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي Britain's Exit from the European Union، المعروف اختصارًا بـ»Brexit بريكزت»، وكان هذا التعجيل بالانتخابات دافعه الخوف من أن يقوم حزب الاستقلال بجذب الصوت التقليدي الذي يستند إليه المحافظون في دوائرهم الانتخابية، ولكن ظهر عدم استشراف كاميرون للأمر، فخسر الانتخابات، وخسر معه النائب الوحيد عن حزب الاستقلال مقعده في البرلمان. والذين صوّتوا لصالح «Brexit بريكزت» كان هدفهم ورغبتهم هو سدّ باب الهجرة أمام غير الإنجليز من الدول الأوروبية؛ شرقية وغربية، والدول الشرق أوسطية أو شبه القارة الهندية. وكان من الآثار السلبية لـ(بيركزت) هو شحن النفوس بالعواطف السلبية إن لم تكن الحاقدة والمقيتة على القوميات الأخرى من غير الإنجليز، ثم لم يسلم حتى بعض الأفراد المنحدرين من أوروبا الشرقية، والذين يقدمون خدمات جُلّى للمجتمع البريطاني في كثير من مواقع الخدمة والعمل، وبخاصة فيما يتصل بالمهن ذات المردود المالي الضعيف، والتي لا يعمل بها كثير من الإنجليز. ويبدو أن عدم اتخاذ قرارات وتوقيع عقوبات صارمة على كل الذين أقدموا على اقتراف حوادث بخلفيات عنصرية قد أغرى البعض من أصحاب هذا التيار المتطرف إلى الإمعان في هذا السلوك المشين، فكانت الضحية الجديدة فتاة عربية تدرس في مدينة نوتنغهام Nottingham بحسب رواية قناة البي بي سي البريطانية، والقصة كما روتها القناة كالتالي: كانت الفتاة العربية تنتظر وصول الباص للذهاب إلى مقر دراستها أو بيتها، فتعرضت لها مجموعة من الشباب بالضرب، وعندما توقف الباص ركبت الفتاة في الدور الثاني، فتبعتها المجموعة ونكلت بها داخل الباص، ولم يستطع قائد المركبة ومن يستقلّون الباص معه من التدخل لرفع الظلم والضيم عن هذه الفتاة التي كانت بمفردها. ومعلوم أن الإنجليزي في كثير من الأحيان وبعامل حضاري وفكري واجتماعي لا يحب التدخل في شؤون الآخرين حتى لو كان الأمر مؤديًا إلى القتل والهلاك. وأخيرًا توقف الباص فهربت المجموعة وتركوا الفتاة وحيدة على حالتها، وحملها الإسعاف إلى إحدى المستشفيات، حيث تبعها بعض أفراد عائلتها الذين حضروا إلى المستشفى بعد تلقي خبر الحادث، وطلبت الفتاة من المستشفى البقاء ليلة واحدة حتى يطمئن على سلامتها وصحتها، ولكن المستشفى الذي دخلته الفتاة ذكر لها أن صحتها سليمة، ويمكنها الذهاب إلى بيتها، فذهبت وفي الصباح الباكر قامت أختها الصغيرة لتفقدها فوجدتها في حالة سيئة، فنقلت إلى المستشفى ثانية، ولم يمضِ وقت طويل حتى اكتشف الأطباء أن لدى الفتاة نزيفاً في المخ، أجريت لها عملية جراحية سريعة، ولكن كان القدر أسبق.
في الماضي، ولوقتٍ قريب كانت بريطانيا بين المجتمعات الغربية، الأكثر تسامحًا واعترافًا بالآخر، ودور هذا الآخر في تنمية الوطن، والمساهمة في الارتقاء به لأن القادمين أو المهاجرين يعتبرون بريطانيا بلدهم الأم، ولاؤهم لها، ويفترض في الجهات المسؤولة أن تتخذ الإجراءات الحازمة لصد كل فعل تكون دوافعه عنصرية، وهي ترجع بالضرر على الإنجليز قبل الآخرين.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store