Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

سنة الاختلاف (2)

A A
بيّنتُ في الحلقة الماضية أنّ فهم القرآن الكريم يختلف من عصرٍ إلى عصر، لأنّ العقل البشري في تطوّر مستمر، وما يستوعبه العقل البشري في عصرنا هذا، قد لا يستوعبه العقل البشري في أزمنة المفسّرين الأوائل، وسأضرب مثلًا بتفسير ثلاث مفسرين من عصورٍ مختلفة لآيَةٍ واحدة، وهي (والأرض مددناها).

ففسرها الإمام الطبري (توفي: 310هـ) بقوله: «والأرض بسطناها»، أمّا الإمام ابن كثير (توفي: 774هـ) فيُفسِّر (والأرض مددناها) أَيْ «وَسَّعْنَاهَا وَفَرَشْنَاهَا»، بينما نجد الشيخ محمد متولي الشعراوي (توفي: 1419هـ) يُفسِّرها بقوله: والمد: معناه البسط، ومعنى ذلكّ أنَّ الأرضَ مبسوطةٌ، ولو فهمنا الآية، على هذا المعنى لاتّهمنا كلّ مَنْ تحدّثَ عنْ كرويةِ الأرض (بالكفر)، خصوصًا أنّنا الآنَ قدِ استطعنا أنْ نرى الأرض على هيئة كرة، تدور حول نفسها بواسطةِ سفن الفضاء والأقمار الصناعية، فنقولُ إنَّ كلَّ مَنْ فهمَ الآية الكريمة (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا) بمعنى أنَّ الأرضَ مبسوطةٌ، لمْ يفهمِ الحقيقة القرآنية التي ذكرتها هذهِ الآية الكريمة، ولكنَّ المعنى يجمع الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي معًا، ويعطي الحقيقة الظاهرة للعين والحقيقة العلمية المختفية، عنِ العقولِ، في وقتِ نزولِ القرآن، عندما قالَ الحقُّ سُبحانهُ وتعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا): أي بسطناها، أقالَ أيُّ أرضٍ؟ لا!!!!!، لمْ يحددْ أرضًا بعينها، بلْ قالَ الأرض على إطلاقها..، ومعنى ذلك: أنّكَ إذا وصلتَ إلى أي مكانٍ، يُسمَّى أرضًا، تراها أمامكَ ممدودة أي منبسطة.. فإذا كنتَ في القطبِ الجنوبي أو في القطبِ الشمالي.. أو في أمريكا أو أوروبا أو في إفريقيا أو آسيا.. أو في أي بقعةٍ، منْ الأرضِ، فإنّكَ تراها أمامك منبسطة، ولا يمكنْ أنْ يحدث ذلكَ إلّا إذا كانتْ «الأرض كروية»، فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكلٍ هندسي آخر، فإنكَ تصلُ فيها إلى حافةٍ، لا ترى أمامكَ الأرض منبسطة، ولكنكَ ترى حافة الأرض، ثم الفضاء، ولكنَّ الشكلَ الهندسي الوحيد، الذي يمكنْ أنْ تكونَ فيهِ «الأرض ممدودة»، في كلِّ بقعةٍ تصل إليها هي أنْ تكون الأرض كروية.

هذا المعنى لم يصل إليه الإمامان الطبري وابن كثير، لأنّه كما قال الشيخ الشعراوي، إنّ هذه الحقيقة العلمية كانت مختفية عنهما، وإنهما لم يستوعبا أنّ الأرض كروية، فهل يعني هذا أنّنا نُكفِّر الشيخ الشعراوي؛ لأنّه قال بكروية الأرض، خلاف ما قاله السلف الصالح، وطبقًا لفتاوى بعض الفقهاء المعاصرين التي تكفِّر من قال بكروية الأرض لتمسكهم بتفاسير بعض الفقهاء الأوائل؟!

الذي أريد قوله: إلى متى سنظل نتمسَّك ببعض آراء الفقهاء الأوائل وتفاسيرهم للقرآن الكريم المخالف بعضها لما جاء فيه، رغم بيان مدى مخالفتها له وبُعدها عن سياق آياته، لمجرد كونها آراء لبعض السلف، واتهام من يُبيِّن خطأها بالجهل والعمالة للغرب؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store