Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

العقل ينتصر في إثيوبيا

إضاءة

A A
يتملكني فرحٌ خاص، وآخر عام، بمناسبة فوز الدكتور أبو أحمد برئاسة الحكومة الإثيوبية. أما عن الخاص فهو تشرفي بمقابلته قبل سنوات بعيدة، حينما كان مناضلا ثوريا، يُعبِّر عن طموحات شعب بأكمله، وليس الشريحة المسلمة منه فقط.

وفي ذلك أشهد أن الحوارات التي جرت بيننا لم تخلُ أبداً من التعبير عن آلام وآمال كل العرقيات المهمشة في زمن منجستو.

لقد ظل أبو أحمد عضواً فاعلاً ورقماً معتبراً في الحركة الديمقراطية لشعب أورومو المسلم، «أكبر عرقية في إثيوبيا»، قبل أن يسقط منجستو، ويظهر الرجل على الساحة بأطروحاته الصريحة ومعلوماته القيمة وعلمه الغزير الذي أهَّله ليصبح وزيراً للعلوم والتكنولوجيا.

أما عن الفرح العام. فناتج من أن إثيوبيا القيادة أنصتت لصوت العقل الذي هو صوت الشعب، وانحازت لهؤلاء المحتجين منعاً لفتنة جديدة ولإراقة الدماء.. فالمحتجون هم الأورومو أو المسلمون، كما يحلو لبعض الوكالات استخدام الوصف.

وبعيداً عن أجواء الفرح الخاص والعام؛ لابد من التأكيد على عدة حقائق تعنينا كعرب:

أولا: يصبح من السذاجة أن يتصور أحد في مصر أن مجيء أبي أحمد للحكم يمكن أن يلغي مثلا بناء سد النهضة!

وبالتالي ينبغي أن تسود الحكمة، خاصة من بعض وسائل الإعلام، وتحديداً من هذه النوعية التي سبق لها الحديث عن أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي في قناة السويس.

لكن ذلك لا يعني أبداً أن تتعقَّد المشكلة بين إثيوبيا ومصر، فالرجل الجديد عمل طويلاً في جهاز المخابرات، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عن الموقف في الداخل والخارج.. ومن ثم فإن المكاشفة ستكون أسرع الطرق للتوصل إلي حل يُرضي لطرفين.

ثانيا: إن العلاقات الإثيوبية العربية آخذة في التطوُّر على المستويين الاقتصادي والسياسي، وهي نقطة إيجابية للبناء لا للهدم.

ثالثاً: إن حيلة تصوير مسلمي الأورومو الذين ينتمي إليهم الرئيس الجديد باعتبارهم بوكو حرام نيجيريا، أو حتى حركة الشباب المسلم في الصومال، لم تنطلِ على أحد.. ومن ثم ينبغي مد جسور التعاون أكثر وأكثر بين دول منظمة التعاون الإسلامي وبين إثيوبيا.

رابعاً: إن المبالغة في الاحتفاء بوصول رئيس وزراء مسلم للحكم لأول مرة في إثيوبيا لا مبرر له، فكم من رئيس وزراء مسلم وابن مسلم عانى معه ومنه أبناء شعبه.

وبالجملة، فإن كون اسم رئيس الوزراء الإثيوبي أبو أحمد، وكونه مسلماً، لا يعني النظر بعصبية أو بعنصرية إلى بقية شرائح إثيوبيا.. خاصةً إذا علمنا أن منجستو كان يحسب على الأمهرة، وأن الحكومة السابقة كانت تُحسب على التيجراي.

لن أقول كما يقول المثل المصري العامي: «أحمد زي الحاج أحمد»، لكن أقول إن الرجل -أي رجل- يُنظر إليه بعلمه وسلوكه وثقافته وقدرته على التعامل مع المجتمعات التي تحيط به.

خامساً: إن الذي انتخب أبا أحمد هو مجلس الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا، ومن ثم سيظل الرجل تحت مجهر الجبهة المُعبِّرة عن الشعب.. كل الشعب.. بمن فيه الأمهرة الذين حكموا وفشلوا في عهد منجستو، والتيجراي الذين فشلوا في استيعاب الموقف في عهد ديستالين.. وأخيراً جاء الدور على الأورومو الذين هم بالصدفة أو فلنقل من قدر الله أنهم من المسلمين.

تحية لإثيوبيا التي أتت بأبي أحمد، وتحية للديمقراطية التي تمسَّك بها الشعب الإثيوبي.. وتحية لكل شعب يريد الحياة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store