Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

مفاتحة بن سلمان

تصريحات سمو ولي العهد بشأن بشار الأسد، تحرم طهران من ذرائع وجودها في سوريا، وتضع بشار الأسد في مواجهة الحقيقة، كما تمثل فرصة للنظام السوري، لإعادة لملمة شتات خارطة تتمزق.محمد بن سلمان يتمنى على الأسد ألا يصبح دمية بيد طهران، وهو ما يفصح بجلاء عن أهم محددات الموقف السعودي والعربي تجاه ما يحدث في سوريا.

A A
لا يخلو شارع واحد بالقاهرة الآخذة في التمدد، ولا في سائر ضواحيها، من سوريين نزحوا إلى مصر مع اندلاع الحرب في بلادهم.. أغلبهم شقوا طريقهم بسرعة إلى التجارة، أو تحولوا إلى أنشطة خدمية كالمقاهي أو المطاعم، بينما اتجه الحرفيون من بينهم إلى العمل في ورش الصيانة المختلفة.

قال لي أحدهم حين التقيته في متجر افتتحه لبيع وتركيب اكسسوارات السيارات بمدينة السادس من أكتوبر، إنه وصل القاهرة قبل نحو أربع سنوات، بصحبة أسرته، لكن أحد ولديه وكان مطلوبًا للتجنيد بالجيش السوري، أخفق في اللحاق بهم، بعدما تم استيقافه عند حاجز أمني يديره إيرانيون، قاموا بتسليمه لإحدى وحدات الجيش السوري، الذي قام بتجنيد الابن سيّىء الحظ.

استوقفتني عبارة الأب، عن استيقاف ابنه بمعرفة حاجز أمني إيراني في دمشق، لكنني فهمت من الرجل، أن الحواجز الأمنية الأكثر أهمية يتواجد بها جنود روس، وأن الحواجز التالية في الأهمية، يديرها إيرانيون، فيما يدير عناصر من حزب الله حواجز المستوى الثالث، بينما يدير جنود سوريون حواجز أمنية، إما إنها لصيقة بمنشآت أمنية للنظام، وإما أنها أقل أهمية من الحواجز الثلاثة السابقة. هذا عدا حواجز المستوى الخامس والتي يقيمها شبّيحة انخرطوا ضمن ميليشيات تعمل لحساب النظام.

خارطة الحواجز، وطبيعة القائمين على كل منها، تبدو كاشفة لما آلت اليه الأوضاع في سوريا التي تمزقت خارطتها إرباً، بين الفرس والترك والروس والأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والدواعش.

استعادة الخارطة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية، تبدو مهمة مستحيلة، لا يشبهها سوى تصور البعض بإمكانية عودة أكثر من سبعة ملايين سوري إلى وطنهم، الذي غادروه تحت وطأة الحرب.

تاريخياً، فإن عشرات الآلاف من الأسر المسيحية السورية التي نزحت إلى مصر، هربًا من مجازر جمال باشا السفّاح التركي قبل أكثر من قرن، لم تغادر مصر حتى الآن، بل اندمجت في النسيج الوطني المصري وباتت جزءاً منه، بعدما أثرى بعضها الحياة الفنية والثقافية والمسرحية، وحتى في مجالات الصناعة والخدمات.

تعدد وتنوع القوى التي تدير الحواجز الأمنية في سوريا، يشير إلى صعوبات هائلة في لملمة أشلاء بلد عربي، بات مطمعاً لقوى إقليمية، يريد بعضها أن يمدد ساقه فوق الخارطة العربية، لكن طرح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حواره لمجلة تايم الأمريكية حول إمكانية بقاء بشار الأسد، وأنه من غير المرجح أن يترك منصبه قريباً، قد يعكس قراءة واقعية للأزمة، تعنى بالتركيز على غايات السياسة، أكثر من انشغالها بمساراتها وتفاصيلها. فالهدف النهائي لأي سياسة تجاه سوريا يجب أن يكون طرد الإيرانيين الذين يقيمون الحواجز الأمنية في طرقها وميادينها الرئيسية، بدعوى حماية النظام. ومشكلة المنطقة مع نظام بشار الأسد تكمن بالأساس في ارتباطه الوثيق بطهران، باعتبارها داعمًا رئيسًا لبقاء نظامه.

تصريحات سمو ولي العهد بشأن بشار الأسد، تحرم طهران من ذرائع وجودها في سوريا، وتضع بشار الأسد في مواجهة الحقيقة، كما تمثل فرصة للنظام السوري، لإعادة لملمة شتات خارطة تتمزق.

محمد بن سلمان يتمنى على الأسد ألا يصبح دمية بيد طهران، وهو ما يفصح بجلاء عن أهم محددات الموقف السعودي والعربي تجاه ما يحدث في سوريا.

هناك حاضنة عربية تتخلق من أجل سوريا، لن يكون للنظام السوري بعدها عذر للارتماء في أحضان ملالي ايران.

استعادة سوريا إلى حاضنتها العربية الأصيلة، هي السبيل العملي لإجهاض مخطط إيراني للهيمنة يوشك على أن يكتمل، لكن تقليص الحضور الإيراني في سوريا يظل شرطاً ينبغي على بشار الأسد الوفاء به.

مهمة النظام الاقليمي العربي، الآن، بعد مفاتحة بن سلمان، هي تطوير قنوات اتصال وآليات عمل، لإنجاز رؤية على الأرض، تخرج بموجبها ايران من المشهد السوري، ويتحرر السوريون العابرون لمدنهم، من حواجز التفتيش الإيرانية.

مفاتحة بن سلمان بشأن سوريا، تستحق وقفة عربية، ربما تسمح القمة العربية المقبلة بالرياض، بصياغة مقوماتها، وإفساح المجال لتفعيلها.

السياسة هي فن الممكن، وبلوغ الممكن يحتاج إلى بعض الخيال، ومفاتحة بن سلمان، تمشي بخيال السياسة الى منطقة الممكن.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store