Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

(الآيات) وصراع الطبيعة والقدر!

ولذا ستظل الآيات الإلهية تتوالى بحق مستحِقِّيها مهما اختلفت التأويلات في أسبابها، ومهما نشأ على إثر تلك التأويلات من صراعات (افتراضيَّة) بين الطبيعة والقَدَر الإلهي، وستظل الحقيقة الناصعة تشهد بأن مسبب هذه الآيات هو الله، غير أنه جعل لها أسبابًا (وسائل) طبيعية تَظهر من خلالها، وهو ما جعل البعض ينسب -توهُّمًا- العلةَ لهذه الوسائل الطبيعية

A A
ليس المقصود بـ (الآيات) هنا الطائفة من الكلمات التي تتشكل منها السورة القرآنية؛ إنما المقصود بها (العلامات والعِبَر) الإلهية التي تَحل بفرد أو جماعة أو أمة حادت عن تعاليم الإله فحَقَّ عليها سخطُهُ فغدتْ لمَن خَلْفها آية وعبرة. ولقد حمل إلينا القرآن الكريم عددًا من الآيات التي حلَّت بالأفراد والجماعات والأمم فجعلتهم أثرًا بعد عين وغدوا عبرة للمعتبِرين. حتمًا لا تغيب عن أذهاننا قصةُ إغراقِ اللهِ فرعونَ، وخسفه بقارون وبدارِه الأرضَ، وإهلاكه ثمودَ بالطاغية، وإهلاكه عادًا بريح صرصر عاتية، وإرساله سيلَ العَرِم على سبأ، وغيرها من الآيات التي وردت في القرآن وذَكرت قصص هلاك الجبابرة والظَّلَمة الذين عَدَلوا عن المنهج القويم وتنكبوا الصراط المستقيم. وبوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي، بالتالي انقطعت الآيات الإلهية المُخبَر بها، هنا ظن البعض أن الآيات الإلهية ما دام أنها انقطعت لانقطاع خبر السماء فهي -بظنه- قد انقطعت على الواقع ولم يعد لها وجود. والحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن الآيات الإلهية مازالت -وستظل- تتنزل على الأرض وتحل بمستحقيها، غير أن تكرُّرَها ومعاينة البشر أكثرَها خفف من دهشة وقوعها، ثم إن عدم نزول آيات قرآنية تتلى في حقها جعلها لا تحظى بما حظيت به تلك التي وردت في القرآن. تعالوا إلى الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر الذي أباد الملايين فكانت وفاته بيده حينما تجرع السم ثم أطلق الرصاص على نفسه، لا تذهبوا بعيدًا فالزعيم معمر القذافي حكم شعبه بالنار والحديد وعاث فسادًا في ثرواتهم وألَّف كتابه الأخضر ليضاهي به القرآن فانتهى به المطاف مقتولاً في أنابيب المجاري، وهاكم صدام حسين الذي لم يعرف إلا لغة الحتف لكل رأي مخالف، كانت نهايته الاختباء في جحرٍ ثم قُبِض عليه وشُنِق، وما زوال مُلْك علي صالح ونهايته الأليمة عنا ببعيد، وغيرهم الكثير من الزعماء العرب والعجم الجبارين والظلمة الذين لو أن قصصهم وردت في القرآن لرأيناها آياتٍ عظيمةً قد تفوق ما حلَّ بفرعون وقارون، لكنَّ المشاهَدةَ الآنية والمباشِرة للحدث تُفقده إثارته، وهي العلة وراء تخفيف وقع الآيات التي حلت بهؤلاء الزعماء وغيرهم -مما سيأتي ذكره- في العصر الحديث. هاكم قصة السفينة تايتنيك التي كانت عملاق زمانها ومحط تفاخر من قِبل صُناعها، حينما أبحرت في مياه الأطلسي غرقت وهو ما أدى لوفاة ما يزيد على (١٥٠٠) من ركابها فكانت آية وعبرة. ودونكم مكوك الفضاء الأمريكي تشالنجر الذي تحطم بعد انطلاقه بثوانٍ معدودة ما أدى إلى مصرع رواده السبعة، ودونكم الأعاصير التي تجتاح مناطق متعددة من العالم كأعاصير كاترينا وإرما وتسونامي وغيرها، دونكم دولاً وحكومات قريبة (مكانًا وزمانًا) سادت ثم سقطت. ولذا ستظل الآيات الإلهية تتوالى بحق مستحِقِّيها مهما اختلفت التأويلات في أسبابها، ومهما نشأ على إثر تلك التأويلات من صراعات (افتراضيَّة) بين الطبيعة والقَدَر الإلهي، وستظل الحقيقة الناصعة تشهد بأن مسبب هذه الآيات هو الله، غير أنه جعل لها أسبابًا (وسائل) طبيعية تَظهر من خلالها، وهو ما جعل البعض ينسب -توهُّمًا- العلةَ لهذه الوسائل الطبيعية.

زعَمُوا الـطَّبيعةَ ماردًا لا يُغلَب

وتأوَّلُوا في الوصْفِ قالُوا: تَـغضَبُ!

وتـَخبَّطُوا في غيِّهمْ إذْ صيَّرُوا

قَدَرَ الإلهِ إلى الطبيعةِ يُـنسَبُ!

قُولُوا بأنَّ اللهَ أَرسَلَ جُندَهُ

ولِحِكْمةٍ تَخْفَى ولا تتعجَّبُوا

ودعُوا الطَّبيعةَ.. فـالطبيعةُ لم تزَلْ

خَلْقًا يدورُ معَ الحياةِ ويَخرَبُ

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store