Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

من يبادر لإنقاذ تاريخ بادية الحجاز؟!

A A
• على الرغم من أن الحجاز المبارك قد حظي بعدد لا بأس به من أدب الرحلات، ومن الدراسات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية التي حفظت أجزاء من تاريخه وموروثه العريض، إلا أن معظم تلك الدراسات تركَّزت على المدن الكبرى؛ وعلى المجتمعات المستقرة في مكة والمدينة وجدة؛ وإلى حدٍّ ما الطائف!.. ولم تعط اهتماماً كبيراً لا للبادية ولا للريف الحجازي إلا فيما ندر، ولنقل أنها مرَّت في أحسن الأحوال على بعض البوادي مرور الكرام، ولم ترصد جزءاً كبيراً من تفاصيل حياة الناس اليومية، كما فعلت في الحواضر، رغم أنها -وأقصد الثقافة البدوية والريفية- لم تكن تقل في غناها وتنوّعها عن موروث المدن، بل ربما فاقته في بعض الأجزاء!.

• الحجاز -بحواضره وبواديه- إقليم عميق جداً بتاريخه الإنساني والاجتماعي والفني، وبتفاصيل حياة الناس ومعيشتهم اليومية، التي كان يدخلها التجديد كل عام بفضل (موسم الحج) الذي يستقبل فيه الحجازيون كل لغات الأرض وثقافاتها، وإذا كان الأستاذ محمد علي مغربي وغيره كثيرون قد وثَّقوا الكثير من ملامح الحياة الاجتماعية في مدن الحجاز الكبرى خلال القرنين الماضيين، حين وصفوا تفاصيل البيوت وملابس أهلها واحتفالاتهم ومآكلهم ومشاربهم وحتى ألعابهم، فإن الريف والبوادي بالمقابل لم تحظَ سوى ببعض اللمم الذي لا يُشبع نهم الباحث ولا القارئ، فإذا ما تجاوزنا بعض القصائد النبطية التي حفظتها الذاكرة الشعبية الشفاهية؛ وبعض الفلكلور المُغنَّى الذي أبقته الحاجة للفرح، فإن كثير من تفاصيل تلك الحياة العربية الأصيلة قد تطاوله النسيان.. وللأمانة لابد أن نحمد هنا للشيخ عاتق البلادي (يرحمه الله) وللأستاذ فايز البدراني، ما وثَّقاه من فصولٍ في بعض كتبهما عن ملامح لحياةٍ ثرية تكاد تخرج من التاريخ كلياً بسبب عدم الاكتراث.

• بوادي الحجاز التي كانت منازل للكثير من الصحابة والتابعين ولقبائل العرب العريقة وفرسانها وفحول الشعراء؛ هي مناطق حباها الله تاريخاً انثروبولوجياً وإنسانياً رائعاً؛ يجب أن يُبرز ويُحفظ، لن أطالب بتدخل أحد، فهذا دور أبنائه في المقام الأول، الذين يجب عليهم رد الجميل؛ ونفض الغبار عن الوجه الحضاري المشرق لتلك المناطق ولإنسانها وثقافاتها وكل ما يتعلق بموروثها؛ خصوصاً العاملين منهم في مجال الإعلام، الذين عليهم استغلال طفرة التقنية وإنتاج أفلام وثائقية ولو في اليوتيوب، أو تصنيف كتب، تحفظ هذا التراث العربي الأصيل، وتُسجِّله قبل أن يندثر.

• العيش تحت سياط نظرية المؤامرة؛ واتهام الآخرين بتهميش تراثك، أو انتظار أن يأتي أحدهم من الخارج كي يقوم بواجبك تجاه تاريخك لن يحل المشكلة، ولن يُنقذ هذا الموروث العريق من الاندثار.. مَن سيُنقذه من الاندثار بالفعل هم المبادرون.. فمَن يُبادر؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store