Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

إيران: طوفانٌ داخليٌ قادم.. تعجيلهُ لازم (١)

A A
ماذا يحصل في دولةٍ يقوم أساس رؤيتها السياسية على تفكيرٍ دينيٍ غيبيٍ خرافي، ويعيش قادتُها أوهاماً إمبراطورية تُناقض كل المعطيات الجيوسياسية في المنطقة والعالم، وتنخرُ سُلطَتها شتى أنواع الفساد والمحسوبية، وتحكمُها شلةٌ دكتاتوريةٌ ماضوية وانتهازية، ترى العالم بمنظارٍ مزدوج، يستعمل أحد عدستيه رجل الدين والأخرى عسكريٌ تاجر، وتُمضي غالبية شعبها الشاب أيامها بسلبيةٍ ويأسٍ من كل تغيير، وتفتقر إلى نجاحٍ واحد يُسجَّلُ لها في صناعة السياسة الداخلية، و.. و.. ماذا يمكن أن يكون مصير هكذا دولة؟

بعكس كل ما يعتقده بعض قصار النظر ممن يحكمون على مجريات الأمور تكتيكياً، ويرون انتفاخ البطن بالهواء صحةً وعافية، لا تكاد توجد دولةٌ في العالم يجتمع في واقعها مزيجٌ متفجرٌ من عناصر الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما هو الحال في إيران.

انظر إلى ممارسات مَن يقود هذا البلد، واسمع مواقفهم وتصريحاتهم، في الأسابيع القليلة الماضية فقط، وفكِّر قليلاً بقوانين الاجتماع البشري كما تكتبها صفحات التاريخ، واستنتج من ذلك ما تشاء.

في الخامس من شهر فبراير الماضي، ورداً على إعلان العقيدة النووية الأمريكية الجديدة، أنيطت بالجنرال حسين سلامي، نائب قائد «الحرس الثوري»، مهمة إطلاق تصريحات عنترية كان مما ورد فيها: إن ايران «على اطلاع كامل على كل القدرات الجوية والبحرية الأمريكية المحيطة بإيران، ونعتبر أن خيار الحرب واقعي ونستعدّ له». وقال سلامي أن «العدو يدرك أن إطلاق أول رصاصة أو صاروخ سيؤدي الى اندلاع حرب لا تنتهي، لذلك لا يُقدم على أي عمل عسكري.. إستراتيجيتنا هي الدفاع، لكننا نمتلك أيضاً استراتيجياً الهجوم، ويمكننا توجيه ضربات مكثفة لكل قواعد الأعداء، كما يمكننا مواجهتهم في البحر».

ملأ الإعلام الإيراني، والإعلام العربي الأجير له، فضاء المنطقة بمثل تلك التصريحات.. بالمقابل، تم تسليط أشعة الحرمان على تصريحٍ أفلتَ تحت ضغط الواقع من مسؤولٍ إيراني آخر في نفس اليوم، فكان لابد من الحديث عنه، وإن بشكلٍ منزوٍ، وعلى استحياء. فقد أقرّ وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنكنة بأن «تهديدات» ترامب ضد بلاده «زعزعت شروط السوق للراغبين في التعامل مع إيران». كما أشار إلى أن طهران تتفاوض مع «أكثر من 20 شركة أجنبية» لتطوير حقول نفط وغاز، لكنه استدرك قائلاً: «لا أجرؤ حتى على ذكر أسماء المشاريع التي سنتفق عليها قريباً. إذا فعلت ذلك ستُمارَس ضغوط (على الشركات الأجنبية) لكي لا توقع عقوداً معنا».

أما في العراق، حيث يُفترض أن تكون السيطرة الإيرانية النموذج المثالي الأكمل لتحقيق أحلام زعمائها في المنطقة، فالأحوال ليست على ما يُرام حتماً، خاصةً فيما يتعلق بالانتخابات القادمة التي سترسم الخارطة السياسية لهذا البلد العربي لسنوات قادمة.

في هذا الإطار، تسبَّبَ علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، في جدلٍ لم يتوقف إلى اليوم، حين طالبَ، منذ سبعة أسابيع، من سماهم بـ»المقاومة الإسلامية»، وقفَ انتشار القوات الأميركية شرق الفرات، مضيفاً أن إيران لن تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم.. وأدرك الجميع أن المقصود بالتصريح هو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وأنصاره.

سببت تلك التصريحات غضباً واسعاً في الشارع العراقي، عبّر عن نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي وفي إعلانات سياسية انتخابية، ذكرت أنها تُعتبر تدخلاً سافراً في الشأن العراقي، ومحاولة إيرانية للتأثير في مسار الانتخابات. بينما تحدثت أوساط سياسية عراقية، بصراحة ووضوح، أن إيران مستمرة في جهودها لتوريط المجموعات المسلحة العراقية التي تُكوّنُ «الحشد الشعبي»، في صراعات إيران الإقليمية.

جاء هذا بعد تسريب قوائم انتخابية مُعبّرة.. فعلى سبيل المثال، ضم تحالف «سائرون» الذي يدعمه الصدر شخصيات ممثلة عن الحزب الشيوعي العراقي، وأحزاب مدنية وعلمانية وقومية، إلى جانب الشخصيات السياسية المعروفة المقربة منه.

ثمة تناقضات لا حصر لها تتفاعل في الواقع الإيراني مشيرةً إلى طوفانٍ كبيرٍ قادم نتابع لاحقاً الحديث في تفاصيله. والضرورة ملحةٌ لاستراتيجية مُحكَمة تُسرّع حدوث الطوفان..

من الضرورة بمكان التأكيد، هنا، أن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني المسحوق تدفع ثمن سياسات العصابة المسيطرة على الحكم في بلدهم.. هؤلاء يعانون مثلما تعاني شعوب المنطقة، وأكثر. وسيكون أخذ مصلحتهم بعين الاعتبار ضرورةً في أي تخطيطٍ قادم، إذا أردنا تأمين الأمن والاستقرار في المنطقة على المدى البعيد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store