Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

أربعون عاماً..

وعندما أشار ولي العهد إلى هذه الصحوة وكيف جرفت معنا الكثير من العقول والأفكار المغلقة أيقنت حقاً بأننا كنا ضحية أفكارنا المتشددة التي بنينا بها أسواراً أحاطت بنا وأضرت بنظرتنا تجاه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا

A A
منذ أربعين عاماً وأنا حبيس لأفكار كنت أظن معها بأنني دائما أفعل الصح والبقية من حولي على خطأ مهما فعلوا أو حاولوا أن يفعلوا أو حتى اذا ما حاولوا أن يبرروا أفعالهم. كنت أعتقد أنهم بعيدون عن الحقيقة التي أعرفها أنا وحدي ولا أثق بغيرها، وهذه الأفكار التي تبنيتها لم تكن وليدة صدفة أو حتى من خلال كتاب قرأته أو درس استمعت له بل تخطت كل هذه الحدود وكانت من خلال غرسات مجتمع أغلق على نفسه فأصبح لا يستمع الى غيره ولا يدع أحداً أن يملك الجرأة في التعرف على الآخرين وخصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بعبادة أو فقه وتفسير، فسرعان ما يتحول هذا الشخص ويقصَى من قبل المجتمع بصورة تلقائية وعفوية ويتم تصنيفه وتعنيفه حتى يظهر منبوذاً عارياً من جميع مبادئه وقيمه لمجرد أنه تجرأ وحاول أن يفهم أو أن يسأل لمَ ولماذا. كنت أظن أن الدين محدد بالجزيرة العربية فقط وعدا ذلك ضعف ولغط ومنهي ومكروه وكفر بواح، ومن خلال هذه الأفكار أيضاً كنت أظن أن أحداً لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي غيرنا، ومع كل هذا ظننت بأننا نملك الدين والعلم كله ولا يوجد سوانا يضاهينا أو حتى يصل الى علمنا وعملنا في هذا!!. وكنت أظن أن الصحوة المزعومة أخرجتنا من الظلمات الى النور وأن آباءنا وأجدادنا كانوا في غفلة من أمرهم في تعاملهم مع دنياهم وعقيدتهم ومجتمعهم، حتى أنني كنت أدعو لهم بالمغفرة لتلك العادات التي كانوا يمارسونها في حياتهم لأنها كانت في مخيلتي خروجاً عن النص الذي صحونا اليه ووصلنا إليه.

وعندما كنت أسافر الى خارج الحدود كانت فكرة التعالي الديني مسيطرة على عقلي بشكل تام مع أنني كنت أذهب الى صلاة الجمعة في تلك الدول وأجد المسجد ممتلئاً على آخره وأستمع الى الخطبة من شيخ حليق اللحية يتلو خطبته من غير أوراق بكل فصاحة وبلاغة لسان يوضح اختلاف المذاهب الأربعة والحكمة فيها ويستدل بكلام الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم بكلمات لينة وسهلة تتوافق مع طبيعة الحضور في الزمان والمكان، ومع كل ذلك هناك صراع بداخلي أحاول أن أصدق به ما تراه عيني وتسمع أذني وأتحول تلقائياً لأتصيد الأخطاء والهفوات بدءاً من هيئة الشيخ الشخصية الى كلماته وما يستدل به ليعزز خطبته وأنتظر حتى انتهاء الصلاة لأجد المسجد يتحول الى حلقة علم وإفتاء على المذاهب الأربعة بشكل ملفت وصريح وأدرك مع كل هذا بأنني لا أملك لهذا المشهد الا أن أقف له احتراماً وتقديراً، ويؤكد لي هذا والدي رحمه الله ويقول بكل فخر كنا نحن هكذا في بلادنا دائماً منذ القدم.

وعندما أشار ولي العهد الى هذه الصحوة وكيف جرفت معنا الكثير من العقول والأفكار المغلقة أيقنت حقاً بأننا كنا ضحية أفكارنا المتشددة التي بنينا بها أسواراً أحاطت بنا وأضرت بنظرتنا تجاه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، أما اليوم فإن التصحيح الذي نراه ونعيشه نابع من ديننا الحنيف الذي لا يتغير ولا يتجزأ ولا يمكن أن نغفل عنه جعلنا نعود الى الوسطية التي أُمرنا بها لننعم في دنيانا ولا ننسى نصيبنا منها توافقاً مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأيقنت حقيقة لا يمكن إنكارها بأن الدين يوجد في قلوبنا في كل زمان ولا يتأثر بأي ظرف أو أي مكان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store