Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

مساحاتنا الثقافية في ظل القوة غير الخلاقة

السؤال الأوحد والمهم، مَن يُحدِّد ويُؤطِّر مساحات النقاش؟، نحن أم غيرنا؟، مَن يُؤثثها ويتحكَّم في مفاهيمها التي ذكرتها في بداية هذا الحديث؟، مَن يقودها، بعد أن يرميها في الساحات السجالية ويُراقب تطوُّرها وتناميها؟، ما هي استراتيجياته والخواتم التي يستهدفها؟

A A
نعيش اليوم زمناً قاسياً، عماده القوة والعنف. لا يختلف هذا الزمن عن حقبة الإمبراطوريات الآفلة؛ التي جعلت من القوة رهانها الأول. كل شيء يُفرض بالعنف، بما في ذلك الفعل الثقافي وتسليع المفاهيم السياسية والأيديولوجية المختلفة كالديموقراطية، الثورات العربية، التسامح، الفوضى الخلاقة، حقوق الإنسان... وغيرها مما سيأتي. لا يوجد شيء خارج التعليب السياسي المسبق والقوة التي تفرض السلعة أو النموذج. قد يكون الغرب بشكليه البشع والاستعماري، والإنساني المستضعف، هو مَن يقوم بذلك، ولكن لضعفنا أيضاً جور حاسم، لأننا نستقبل كل شيء بلا أسئلة ولا وضع المفاهيم في أفق النقد. هل نستطيع أن نقرأ أنفسنا في هذه النقاشات وهذه الدوائر القلقة اليوم؟، لا خيار آخر لنا غير هذا. نحن، في العالم العربي نعيش وضعاً قلقاً وقاسياً لا نملك حياله الكثير، لأنّ وسائلنا ضعيفة، ولا نملك البدائل لفرض أنفسنا أمام هذه الآلة القوية. لهذا نظل ندور في دوَّامة قاسية لا سلطان لنا عليها مطلقاً، تتقاذفنا التحوُّلات والمفاهيم كالحداثة والأصول، وننتهي للنوم في قشورها لأن جرأتنا على اقتحامها محدودة. حداثة معطلة ومفرغة من جوهرها، لا تتقدم مطلقاً بالمجتمع، لأنها غير حاسمة في قراراتها، لكنها توافقية استرضائية، وأصول تحوَّلت إلى تزمُّت قاتل وإرهاب معلن ومتوحّش، لأنها لم تؤخذ بمفهومها الإنساني الإيجابي وتدرج في داخلها عناصر التاريخ والتحوُّلات الحضارية التي لها ثقل على المفاهيم وتطورها التاريخي. كل تثبُّتٍ في نقطة معينة، مفترضة، هو موت أكيد. المساحات النقاشية الحرة مهمة، وفتحت أمام الإنسان العربي تحديداً، إمكانات جديدة في تصوّراته الذهنية ونقاشاته. السؤال الأوحد والمهم، مَن يُحدِّد ويُؤطِّر مساحات النقاش؟، نحن أم غيرنا؟، مَن يُؤثثها ويتحكَّم في مفاهيمها التي ذكرتها في بداية هذا الحديث؟، مَن يقودها، بعد أن يرميها في الساحات السجالية ويُراقب تطوُّرها وتناميها؟، ما هي إستراتيجياته والخواتم التي يستهدفها؟، لا يوجد شيء بريء وربما كان على مثقف اليوم أن يتنبَّه قبل أن ينخرط في نقاشاتٍ ويقينيات هي في الجوهر ضده. مشكلات كثيرة تحتاج إلى الانتباه والحذر على الرغم من صدق جوهرها: الديمقراطية مثلاً؟ الإنسانية؟ الإرهاب؟ الدين؟ الدولة؟ الصراع الدولي؟ حماية البيئة؟ المجتمع المدني؟ حقوق الإنسان؟... وغيرها مما ذكرت سابقاً أيضاً؟، طبعاً لا نرفض الخوض في هذه المسالك الصعبة، لأن المشكلات حقيقية في بلداننا العربية المتخلِّفة والتي، منذ قرن ونصف على الأقل، وربما أكثر، وهي تعيد إنتاج تخلُّفها، وتحتاج إلى هزَّة حقيقيَّة تُحدّد منذ اللحظة الأولى وبشكل واضح، خياراتها وإستراتيجيتها، وتعرف كيف تُوقف حالة التدهور. الوقت يمر وأي انتظار هو موت آخر يترصَّد العالم العربي، لهذا أي تغيير عربي هو قيمة مضافة. لا يمكن أن نلبس الديمقراطية عند الحاجة، ثم نقف ضدها؟، نختار العدالة ونُكبِّل أيدي القضاء؟، لا يمكن أن نُحارب الإرهاب ونتركه يعبث بالأوطان؟، نقبل بحقوق الإنسان، وندفن مَن نشاء في غياهب السجون والمعتقلات بلا محاكمات؟، نُؤمن بالحق ونترك كارتيلات المخدرات والنهب تعيث فساداً؟، لا يمكن للقيم الليبرالية المهمة والفعالة، أن تتحوَّل إلى وسائط لمسخ البشر وفتح الأبواب أمامهم لسرقة المال العام بحجة حرية التجارة؟، مجرد أمثلة عن المفاهيم والممارسات التي تُفرغ من جوهرها وتتحوَّل إلى حقائق ميدانية. تهمنا، طبعاً، مساحات المحاورة على الأقل في أجزائها الحيوية، لأن التغيير لا يهمنا فقط، ولكننا نحتاجه بقوة وبشكل مصيري. المحاورة في هذا السياق هي تبيان للخلل الذي نعاني منه في عصر متحرك بسرعة، والحاجة الماسة إلى الآخر، والإقرار بضعف بنياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية غير القادرة على حماية نفسها اليوم من العواصف، وتهديدات التمزقات التي مسَّت الكثير من البلدان العربية. مِن هنا فدور الإنتليجنسيا كبير وأساسي، ولا يمكن إهماله، فهي السند الأعظم للسياسي، حتى لا يسقط في حالات السهولة والابتذال.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store