Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

استأصل أعزّاءك

A A
** تعيش في أفئدتنا البشرية «فوبيا» من التغيير. وخوفٌ أكبر من التخلّي والاستغناء. هكذا تصبر المعنّفة طويلاً على سلوكيات زوجها، خشية التفكّك والطلاق. وهكذا يشعر الموظَّف الذي تردَّد ألف مرة في الاستغناء عن «الأمان الوظيفي»، فلم يفتح مشروعه الخاص. وهكذا عِشنا متمسّكين بمداخيل البترول خوفا من البدائل؛ قبل أن تأتي الرؤية الوطنية المجيدة، التي كسرت الفوبيا واتجهت بقطار هائل السرعة

نحو التغيير الإيجابي.

** البعض مِنّا مازال يُؤْمِن بالمَثَل الشعبي: «خلّيك على قِردك لا يجيك اللي أقرد منه»، في تجسيدٍ صريح لفوبيا التغيير والإذعان للحال، وكأنّ تغييره للأفضل مُحال، ولكن، ما الذي يحدث في غالب الأحوال؟، يحدث أن الذين يستمرؤون العيش المستقر، «والقرد الحالي»، وبقاء الأمور كما هي، مهما كانت مزعجة؛ يبقى وضعهم كما هو إن لم يتدهور، بينما يُبادر أحدهم بالتخلّي والاستغناء، فتكون بدايته مرهقة، ولكنه حتما، ينتهي

بنهاية باهرة ومشرقة.

** إن سلوك دروب النجاح يقتضي مِنَّا التخلي والتخلص من كل العقبات، وما العقبات الحقيقية التي تؤثر، وتَحجب، وتُعيق، إلا تلك التي يأسرها القلب، ويتعلق بها الوجدان، فيصعب علينا إزاحتها. إنها تلك اليد التي تذكرها أمثالنا فتقول: «اليد اللي توجعك اقطعها». هي العلاقة السلبية، التي لم تعد تُقدِّم لك سوى الأزمة والركود. فإذا قطعتها بإرادتك المنفردة، لا تخشى أن تبدو أنانيا أبدا، بل فعلت الصواب، وفعلت ما وصَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما

ينفعك).

** ومطلب التحلّي بصفتي الاستغناء والتخلّي، ليس مقصورا على العلاقات وفرص العمل وقرارات الحياة فحسب، بل يشمل حتى الإنتاج الأدبي والإبداعي. فكثيرا ما استصعبت حذف جزء من مقال كتبتُه، أو بحث أجريتُه، لتعقيب تلقيته ممن أثق باستشارته. والصعوبة تكمن في أنني أعتبر نتاجاتي وحروفي كأطفالي الصغار، وهكذا كل كاتب وباحث ومنتج، خصوصا تلك الأجزاء التي نقع في حبها، ونشعر بأنها أسطورة فنية. ولكن أساتذة الكتابة ومدرّبوها الكبار أمثال: ويليام فوكنر، يُؤكِّدون على ضرورة اتباع قاعدة تقول:”Kill your darlings”، وتعني بالعربية -بتصرف- أن تستأصل أعزاءك! أي لابد -لكي تنجح عملية الإنتاج- أن تتخلَّص من أعمالك العزيزة جداً على قلبك، طالما أنها لا

تخدم النسخة النهائية للمشروع.

** استأصل أعزاءك! مبدأٌ يُخبرك بأن تترك كل ما أنت متعلقٌ به، لكي ترى كم ستصبح الحياة أسهل وأجمل. باختصار: إذا لم تكن في علاقة صحّية، أو بيئة عمل مناسبة، أو صداقات صالحة، أو تخصّص تشعر تجاهه بالمتعة، تخلَّى، واستغنِ، ولا تؤخر هذا القرار. فالحياة زاخرة بالبدائل. والحياة ذاتها -كما يعبّر الغالي غازي القصيبي- أوسع من أن

تتمسّك بِشَيْءٍ ظناًّ منك أنه قد لا يتكرر!

** لمحة:

(الحاجة اللي خايف تخسرها، اخسرها؛ علشان تبطل تخاف).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store