Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الفضيلة تُبرِّر الوسيلة

الحبر الأصفر

A A
يَخلِطُ النَّاس دَائِماً بَين الوسَائِل والأَهدَاف، وهَذا الخَلط يُؤدِّي إلَى إعطَاء الوَسيلَة مَكَانة الهَدَف، وإلَى إحلَال الهَدف مَكان الوَسيلَة.. وحَتَّى أُبسِّط الفِكرَة وأُوضِّحهَا؛ دَعوني أَذكُر بَعض الأَمثِلَة:

نَتَّفق جَميعاً أَنَّ القِرَاءَة غَايَة، أَمَّا الكِتَاب فهو وَسيلَة، ولَكن مُعظم الجَدَل -الآن- لَا يَدور حَول أَهميّة القِرَاءَة، بَل يَدور حَول أَيُّهمَا أَفضَل: الكِتَاب الوَرقي؟، أَم الكِتَاب الإلكترُونِي؟.. وكُلَّما سَألني أَحدُهم عَن الفَرق بَين الكِتَابين؛ أَقول: يَا سيّدي نَحنُ نُريد ونُشجِّع القِرَاءَة، ولَا يَهمّنا الوَسيلَة.. اقرَأ ثُمَّ اقرَأ، حَتَّى لَو كَانت القِرَاءَة تَتمثَّل فِي «المِنيُو»، أَو قَائِمة الطَّعَام فِي المَطَاعِم..!

مِثَالٌ آخَر: الحِجّ أَو العُمرَة هَدف كُلّ مُسلم، أَمَّا الوَسيلَة التي تَذهب بِهَا إلَى مَكَّة، فهي مُتغيِّرَة، كَانَت الوَسَائِل -فِي السَّابِق- البغَال والحَمير والجِمَال، أَمَّا الآن، فهي السيَّارَات والطَّائِرَات والسُّفن، ومِن هُنَا يَجب التَّركيز عَلَى الأَهدَاف، لأنَّ الهَدَف ثَابتٌ، أَمَّا الوَسَائِل فتَتغيَّر..!

وطَالمَا ذَكرنَا الهَدَف، فمِن الجَيِّد اختيَار الوَسيلَة المُنَاسِبَة، وهُنَاك قصَّة تُؤكِّد عَلَى أَهميّة الوَسيلَة، حَيثُ تَقول: إنَّ أَحَد المَكفوفين كَان هَدفه استعطَاف النَّاس، لكَي يَتصدَّقوا عَليه بالمَال، فجَلسَ فِي نَاصية الشَّارع، ووَضع لَوحَة بجوَاره، وقَد كَتبَ عَليهَا: «سَاعدوني أَنَا كَفيف»، فلَم يَتفَاعل النَّاس مَعه كَثيراً، لأنَّ العِبَارة التي كَتبهَا، أَو الوَسيلَة، لَم تَكُن مُؤثِّرة وقَويَّة، فجَاء أَحد الطيِّبين، وأَخَذ اللَّوحَة ومَسح العِبَارة، وكَتَب بَدلاً عَنهَا: «الدُّنيَا رَبيع، لَكنِّي لَا أَستَطيع التَّمتُّع بجَمالِهَا»، بَعدهَا انهَالت عَليهِ التَّبرُّعَات والأَموَال، فشَعر الكَفيفُ بالفَرْق، ولَم يَكُن يَعلم عَن العِبَارة؛ التي تَغيَّرت فِي اللَّوحَة شَيئاً، فطَلَبَ مِن أَحَد المَارَّة؛ أَنْ يَقرَأ لَه مَا كُتب فِي اللَّوحَة، فقَال لَه: «الدُّنيَا رَبيع، لَكنَّني لَا أَستَطيع التَّمتُّع بجَمَالِهَا»، فعَرفَ الكَفيف أَنَّ اختيَار الوَسيلَة الجَيّدة، يُحقِّق الهَدَف المَنشُود..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّني دَائِماً أَبحَث عَن الهَدَف، وأُركِّز عَليهِ، ولَكنَّني لَا أَنسَى اختيَار الوَسيلَة، التي تُحقِّق لِي الهَدف بكُلِّ إتقَان..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store