Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

صمتًا.. فالجريمة غير مؤدلجة!

ومع أن المحصلة النهائية لتلك الجرائم واحدة هي إزهاق الأنفس البريئة وترويع الخَلق والإخلال بالأمن، إلا أن البعض ينظر لتلك الجرائم من مناظير متغايرة، فيرون الجرائم التي جاءت بفعل الدوافع الحزبية هي وحدها الأَولى بالإنكار والشجب، في حين لا يرون في الجرائم التي جاءت بفعل الدوافع المذهبية الخارجية أو المخدرات أو التفحيط أو الخلافات الشخصية ما يستوجب الإنكار والشجب

A A
يتواطأ العقلاء على تجريم إزهاق الأنفس المعصومة، مهما كانت مسميات الجريمة ومستوياتها، ومهما كانت توجهات منفذيها ودوافعهم، ومع هذا نجد البعض يمايز في ردود الأفعال بين جريمة وجريمة؛ فتزداد جَلَبَتُه تجاه هذه وتخنس تجاه الأخرى تحت حجج لا يقبلها المنطق السليم. الجميع شاهد عددًا من جرائم القتل المتنوعة بتنوع منفذيها، وتنوع أهدافهم، وتنوع الضحايا، وتنوع أمكنة وقوعها وأزمنتها، فهناك جرائم جاءت بدوافع حزبية، وجرائم جاءت بدوافع مذهبية خارجية، وجرائم جاءت تحت تأثير المخدرات، وجرائم جاءت بفعل التفحيط، وأخرى بفعل الخلافات الشخصية.. إلخ. ومع أن المحصلة النهائية لتلك الجرائم واحدة هي إزهاق الأنفس البريئة وترويع الخَلق والإخلال بالأمن، إلا أن البعض ينظر لتلك الجرائم من مناظير متغايرة، فيرون الجرائم التي جاءت بفعل الدوافع الحزبية هي وحدها الأَولى بالإنكار والشجب، في حين لا يرون في الجرائم التي جاءت بفعل الدوافع المذهبية الخارجية أو المخدرات أو التفحيط أو الخلافات الشخصية ما يستوجب الإنكار والشجب، وحجتهم في ذلك أن الجريمة الحزبية جريمة (مؤدلجة) جاءت وفق قناعات وأفكار آمنَ بها منفذوها في سلسلة متصلة بين المنفذِين ومن يقف وراءهم، وينسى هؤلاء أن الله تعالى لم يُفرق بين جريمة قتل وأُخرى بل جعلها تحت حكم واحد فقال: «ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم..» ولم يمايز سبحانه بين حالِ مجرمٍ ومجرمٍ فيقول مثلاً (ومن يقتل مؤمنًا وهو مؤدلَج..)، فالجريمة تظل جريمة تستوجب الإنكار والشجب. ولو سلَّمْنا بأن جرائم الحزبيين تأتي من منطلَق إيمان راسخ بالفكرة وفق منهج ضال (أدلجة) فهذا لا يعني التهاون مع الجرائم الأخرى والصمت حيالها وحيال فاعليها مهما كانت المبررات، فتلك لوثة فكرية وخيانة وطنية بكل دلالاتها. الأدهى من ذلك أن الجميع يعلم المنطلقات المذهبية لجماعة الحوثيين الانقلابية، ويدرك تمامًا أن تلك الجماعة ذات فكر مماثل لفكر الحزبيين (أي مؤدلَج) تشرَّبته من قُم الإيرانية، وعلى إثر هذا الفكر المؤدلَج نراها ترسل على وطننا صواريخها التي وصلت حتى كتابة هذا المقال (124) صاروخًا، ومع هذا لم تجد عند هؤلاء ذاك الإنكار والشجب، مع أنها ذات منطلقات (أيديولوجية) كمنطلقات الحزبيين. وغير بعيد عنها جرائم القتل التي حصلت لجنود أمننا وفق منطلقات مذهبية (أيديولوجية) مدعومة من الخارج، لكن المبررِين لا يرون إلا نوعًا واحدًا من الجريمة ويستغشون ثيابهم ويخفضون أصواتهم عما سواها حتى ولو كانت جرائم مؤدلَجة وفق تصنيفهم. أن نصل إلى مرحلة لا يَرى البعض في رصاصاتٍ -منطلقها دوافع شخصية أو بتحريض خارجي- تقتل جنودنا، وصواريخَ تستهدف وطننا ما يستوجب عظيم الإنكار والشجب بحجة أن من يقف وراء تلك الرصاصات والصواريخ (غير مؤدلَجِين) فهذا يعني أن تصنيف تلك الجرائم أخذ منحىً جديدًا وخطيرًا، وأصبح لها مبررات تستوجب الصمت تجاهها وعلى رأسها سلامتها من الأدلجة. ألا يدرك الصامتون أن الأدلجة تعني منظومة الأفكار التي يؤمن بها الشخص؟! وهل قيام المجرم بجريمته -أيًّا كانت- إلا بفعل إيمانه بفكرة الجريمة؟ ألا ينتهي هؤلاء عن معاييرهم المزدوجة عندما جعلوا مفهوم الأدلجة أداة طيِّعة تتشكل وفق رغباتهم للتشنيع بجريمة والصمت عن جرائم مماثلة في الوقت الذي يؤكد المفكر عبدالله العروي في كتابه (مفهوم الأيديولوجيا) على أن الأيديولوجيا «مفهوم مُشكِل يجب استعماله بحذر، بل يتحتم الاستغناء عنه في أكثر الحالات، بعكس ما يقع عندنا حاليًّا»؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store