Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

علاقة النقد الأدبي ببقية العلوم الإنسانية

استمر تقاطع النقد الأدبي مع باقي العلوم الإنسانية كلما تغيرت الظروف التاريخية والاجتماعية، وتطورت النظرة إلى الأدب. وحينما انبثقت العلوم الحديثة من رحم التجريب والوضعية، كان لابد للنقد أن يجد له مكاناً في هذا العالم، فارتبط بالتاريخ، وحاول تطبيق نظرية التطور الداروينية على النصوص الأدبية

A A
لم يكن النقد الأدبي غريباً على المجالات الإنسانية الأخرى أبداً؛ فعلاقة النقد بباقي العلوم كانت على الدوام رافداً في تطوره النظري والتطبيقي، كما كانت عاملاً مؤثراً في تحديد وظيفته ومدى سلطته على العمل الأدبي، ودوره في المجتمع ككل. ولعل ارتباط النقد في فجر مسيرته بالفلسفة خير مثال على هذا؛ ويكفي أن تكون الدراسات الأدبية الأولى قد سُطِّرَت بأيدي كبار الفلاسفة الإغريق، ما ربط مهمة -وربما مصير- النقد بالفلسفة عبر التاريخ.

وهكذا استمر تقاطع النقد الأدبي مع باقي العلوم الإنسانية كلما تغيرت الظروف التاريخية والاجتماعية، وتطورت النظرة إلى الأدب. وحينما انبثقت العلوم الحديثة من رحم التجريب والوضعية، كان لابد للنقد أن يجد له مكاناً في هذا العالم، فارتبط بالتاريخ، وحاول تطبيق نظرية التطور الداروينية على النصوص الأدبية، ثم جاءت نزعة فرويد ورفاقه التي وضعت النص الأدبي

وصاحبه تحت مجهر التحليل النفسي، فأصبح الناقد الأدبي محللاً نفسياً بارعاً، يُشخِّص عصاب الأديب، ويستقصي سيطرة اللاوعي على شخوص أعماله الشعرية والنثرية.

ولم يطل الأمر حتى بزغ نجم الاشتراكية من الشرق الأوروبي ليقود الأدب -والعالم أجمع- نحو مرحلة جديدة في السياسة، وفي الفكر أيضاً. فكانت النتيجة أن سيطرت الواقعية على الأدب والأدباء، واقتربت النظرية النقدية كما لم تفعل من قبل من المجتمع، ومن فروع علم الاجتماع وتطبيقاته. وظل الأمر كذلك حتى ظهر علم اللغة الحديث، وظهرت اللسانيات لتفتح أُفقاً جديداً ليس للدراسات الأدبية وحسب، بل للإنسانيات عموماً.

يقول كلود ليفي شتراوس، في معنى قريب من هذا: «ظلت العلوم الإنسانية والاجتماعية لقرون تنظر لعالم العلوم الدقيقة والطبيعية كفردوس لا يمكن لها دخوله أبداً. ثم فجأة، فُتح باب صغير بين العالمين، وكانت اللسانيات من فعل ذلك».

أحدثت اللسانيات ثورة في علاقة اللغة بالأدب، وجاء ياكبسون ورفاقه من الشكلانيين الروس، لفك ارتباط الأدب بكل ما لا علاقة له باللغة، وليُعلنوا للعالم كله أن الأدب فن لغوي جمالي قبل أي شيء آخر. وعليه فلا مناص لأي باحث في الأدب من أن يبدأ مهمته من اللغة، ولا شيء غير اللغة، لتبدأ مرحلة حافلة في العلاقة بين النقد الأدبي وعلم اللغة.

في نهاية بيانه الشهير، يستعير ياكبسون مقولة الشاعر الأمريكي جون هولاندر: «يبدو أنه لا وجود لأي سبب لمحاولة فصل الأدب عن القضايا اللسانية عموماً»، ليؤكد أن «لسانياً يصم آذانه عن الوظيفة الشعرية للغة، كما أن عالماً في الأدب غير مبالٍ بالمشاكل اللسانية وغير مطلع على المناهج اللسانية، يعتبران على حد سواء، صورة لمفارقة تاريخية صارخة».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store