Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

العجلة الخامسة ومتعة الركض إلى الخلف

ننسى تمامًا أننا العدو الأول لانفسنا.. قد يكون الوضع جارحًا وتوصيفه مزعجًا لكن القصد في النهاية، هو الرغبة في تخطيه.. ماذا قدمنا للبشرية فنيًا وما هي استثماراتنا الكبيرة في المجال الثقافي؟ هذا السؤال الكبير. وننتظر أن نتصور وتتحسن صورتنا أمام الآخر؟ فلن يكون ذلك بلا جهد فعلي وفق استراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الثقافية الكبرى.

A A
تبدو الثقافة في العالم العربي وكأنها العجلة الخامسة؟ بل هي العجلة الخامسة.. لا تستعمل إلا عند الحاجة الماسة والضرورات القصوى.. ليست حاجة يومية لا يمكن التخلي عنها وإلا سيصبح المجتمع جافًا لا روح ولا حياة فيه. لهذا هناك بعض الظواهر الثقافية العربية تكاد تغيب عن المشهد الثقافي العربي العام.. الموسيقى بالمعنى الأوبيرالي السمفوني وهي أهم عنصر في حياة البشر.. تصنع الذائقة والإنسان عمومًا وتذهب به بعيدًا ليكتشف داخله.. الفنون التشكيلية، التي على الرغم من وجودها المميز في الجزائر، والمغرب وبعض بلدان الخليج ومصر وغيرها، إلا أن الاعتراف بهذا الفن والعمل على تطويره وشيوعه يكاد لا يكون، بل تكاد العداوة للفن تكون هي البديل الأوحد وكأن اللون الذي يفتح الأذهان يصبح في لحظة ما مخيفًا وكأننا أمام مجتمع يسير بالمقلوب.. كيف يصبح ما يمنح الإنسان الحرية والحب والتعددية والغنى، وسيلة للموت والهلاك؟ أليس ذلك علامة من علامات الموت والنهايات التي لا نراها بالشكل المباشر لكنها تتغلغل في الأعماق؟ شيء يخيف حقيقة إلا بالنسبة للعربي الأعمى الذي يرى في الخراب المستشري نعمة من نعم الله لاختبار صبرنا.

عندما تصبح الفنون يتيمة في مجتمع ما من المجتمعات هذا يعني أن الخطر أصبح في البيت وأنه أصبح لزامًا علينا أن ندق جرس المخاطر.. لا توجد صناعة سينمائية ترفع الرأس وتجعل من حياتنا فرصة للكشف والفرح كما في السينما الهندية مثلاً.. السينما ماتت أو هي في نزعها الأخير ومحاربة بشكل مستميت.. توجد خدمات تقدم للشركات العالمية التي لا تنقل فرقها التقنية وتعمل مع المحلية ربحًا للوقت وماديًا أيضًا، لكن صناعة السينما شيء آخر.. إلى اليوم لم ننتج شيئًا مهشًا.. حتى أن السينما، هذا الفن العظيم، أصبحت لا تغري الكثيرين للتوجه نحوها لأنها أصبحت رديفًا للبطالة.. فلمان أو ثلاثة ارتقوا إلى الرتبة العالمية وسوقوا للإسلام أو للتاريخ العربي الحديث، كالرسالة وعمر المختار ووقائع سنوات الجمر الذي لا يزال إلى اليوم هو الفيلم اليتيم الأوحد الذي فاز بالسعفة الذهبية.

يمكن أن نعزي هذا الفشل المستشري إلى الهيمنة الصهيونية العالمية على مجمل القطاعات الثقافية والتي لا تريد خيرًا للعرب وتظل وراء تصنيع الصور الأكثر انحطاطًا ضد العرب.. هذا قد يكون صحيحًا، لكن مسؤولية عالم عربي بلا إستراتيجيات ثقافية كبيرة وربما كانت هي المسؤول الأول عن كل تدهور ثقافي وحضاري. وإلا فما هو الإنتاج الثقافي العظيم الذي يقدمه العرب للإنسانية غير صور تغرقنا كل يوم أكثر في عمق الحضيض؟ لا شيء.. صفر.. وبالتالي كل الخطابات التي تبنى على عداوة الآخر وإلباسه فشلنا غير مفيدة.

ننسى تمامًا أننا العدو الأول لأنفسنا.. قد يكون الوضع جارحًا وتوصيفه مزعجًا لكن القصد في النهاية، هو الرغبة في تخطيه.. ماذا قدمنا للبشرية فنيًا وما هي استثماراتنا الكبيرة في المجال الثقافي؟ هذا السؤال الكبير. وننتظر أن نتصور وتتحسن صورتنا أمام الآخر؟ فلن يكون ذلك بلا جهد فعلي وفق استراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الثقافية الكبرى.

من هو الغني العربي الذي استثمر في الثقافة بعمق وجعل منها رهانه بالمعنى الكبير مثلما فعل غيره في العالم.. المنطق التجاري عند المستثمر العربي مربوط بالربح السريع.. وبجهود أقل. وهذا أثر سلبًا على كل الخيارات الثقافية في العالم العربي لأنه بدلاً أن توضع في الواجهة، خُبئت بوصفها العجلة الخامسة التي لا تخرج إلا عند الحاجة. لهذا، فالقول بأن مجتمعنا العربي يجف من نسغه الحقيقي، ويموت بهدوء ليس كلامًا ضافيًا لا قيمة له.. بل هو عين الحقيقة.

التمظهرات الخطيرة كثيرة في حياتنا اليومية، وليس الإرهاب بكل آلاته التدميرية لكل حضارة أو إنسانية، وتخلفه وجبروته، إلا واحدة من هذه التجليات الخطيرة والأشد قسوة، التي تضعنا اليوم على الحافة، إما التقدم خطوة والسقوط في الهاوية نهائيًا وتنتهي حياتنا على هذه الأرض كفاعلية تاريخية، أو التوقف قليلاً وتأمل الوضع بعين الحقيقة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وكل خيار آخر هو استمرار للكذبة التي استمرت طويلاً في ثقافتنا: إننا بخير وأن الآخر هو من يحسدنا؟ الآخر فينا.. لا وجود له خارجنا كما نتصوره.. ونحن المسؤول الأول عن فشلنا.. فلا فائدة مطلقًا من الركض إلى الخلف وبشكل معكوس.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store