Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

بعيداً عن السياسة.. هذه احتفالية للعنصرية والكراهية!

أدرك جيداً أن لدينا مراهقين متحمسين ومتطرفين مسلمين كثراً بين صفوف الشعوب التي ذاقت ويلات الظلم والبغي والعدوان، ولمثل هؤلاء أنشأنا دوائر في مجمع البحوث الإسلامية، ومراكز الاعتدال، والتسامح، والحوار، لكن الكارثة لدى الطرف الآخر، أن متطرفيهم هم رؤساء ووزراء ومسؤولون، بدوا في الحفل بغداديين أكثر من البغدادي، وزرقاويين أكثر من الزرقاوي!

A A
فيما يواصل الأزهر الشريف، ورابطة العالم الاسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومركز «اعتدال» وغيرها من مؤسسات وكيانات إسلامية الدعوة الى نبذ التطرف، وعدم الإساءة الى الأديان، وعدم خلط الدين بالسياسة، وعدم التفتيش في التاريخ عما يفرق بين البشر، جاء حفل نقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة، غاية في التطرف والإساءة، والعنصرية والكراهية.

دعك من الإمساك بالميكروفون، على طريقة فيلم «الفرح» وغيره من أفلام شعبية كثيرة حيث يحرص أهل العريس أو العروس على توجيه التحية لمن حضروا ولمن لم يحضروا.. «اللي بيحبونا أيوه» واللي بيكرهونا «لأ»..

دعك من السلام المربع للرئيس دونالد ترامب، صاحب القرار، ولابنته وزوجها اللذين شرفا بالحضور.. ودعك من إزجاء الوفاء مع الحمام لـ «اللورد بلفور»، صاحب الوعد المشؤوم! وتأمل معي!

في الاحتفال المشين وقف أحد المنظمين ليقول إن الحاضرين هم المؤمنون بحق شعب الله المختار والمتعجلون لعودة «المخلص» وفي مقدمة هؤلاء الكاهنان الانجيليان الصهيونيان جون هاجي وروبرت جيفريس اللذان خدما «الذبيحة الإلهية»!

وفي الاحتفال أيضاً، وقف نتنياهو قائلاً: أيها الحاخامات الكبار في إسرائيل والحاخامات الكرام المتواجدون هنا والقساوسة ورجال الدين المسيحيون والأصدقاء الكثيرون الذين أتوا إلى هنا من كل أرجاء العالم والأصدقاء الكثيرون الذين تطلعوا لبلوغ هذا اليوم وبذلوا جهودهم في سبيل هذا اليوم. إنني أشكركم جميعاً..لاحظ معي أنهم جلهم رجال دين!.

من هؤلاء بالتأكيد كان الكاهن بات روبرتسون الذي سأل وأجاب عن سؤال يقول: لماذا يدعم المسيحيون الإنجيليون اسرائيل؟ والاجابة هي: لأن شعب الله المختار لديه التزام تجاه الرب بالقتال ضد التخريبيين المسلمين كي تبقى اسرائيل موحدة»!

لقد جاء الاحتفال دينياً أو كهنوتياً متطرفاً بامتياز، فنتنياهو يقول: في أورشليم أسس الملك دافيد عاصمتنا قبل 3000 عام، وفي أورشليم بنى الملك سليمان هيكلنا الذي بقي طوال أجيال طويلة، وفي أورشليم قدّس المكابيون الهيكل مجدداً فاستعادوا السيادة اليهودية على هذه الأرض.. إنه إذاً حديث الدين!

ويمضي نتنياهو يقول: قبل ما يزيد عن مائة عام، اعترف إعلان بلفور بحق الشعب اليهودي في إقامة موطنه على هذه الأرض. وقبل سبعين عاماً تماماً أصبح الرئيس ترومان أول زعيم في العالم يعترف بالدولة اليهودية الجديدة. وفي شهر ديسمبر الماضي أصبح الرئيس ترامب أول زعيم في العالم يعترف بأورشليم كعاصمتنا. وفي هذا اليوم بالذات، تفتتح الولايات المتحدة أبواب سفارتها في هذا المكان بالذات بأورشليم. وقد أعلن النبي زكريا ذلك قبل أكثر من 2500 عام: «قال الرب قد رجعت الى صهيون وأسكن في وسط أورشليم فتدعى أورشليم مدينة الحق»!.. إنه أيضاً حديث في الدين! يحدث ذلك، فيما نحن ندعو عن حب وعن قناعة لا كهانة لاحترام الأديان، والتعايش والتفاعل والتواصل مع الجميع.

يحدث ذلك في حفل رسمي علني لا في ندوة أو قاعة مغلقة، ونحن نواصل تنقية مناهجنا من كل ما يظنه البعض يسيء، وبتر كل ما يراه البعض يثير.

لقد وصل الحال أو الخوف ببعضنا لانتاج وإعداد برامج ومسلسلات تاريخية لتشويه تراثنا يتولى أدوار البطولة فيها راقصون وراقصات!.

بل إن جواز المرور لمعظم الأعمال الفنية في أغلب الأحيان بات هو الاساءة للقيم والتقاليد الإسلامية الجميلة بزعم نبذ العنف والتطرف، وعدم الإساءة للأديان!

تخيل معي الآن ردود الفعل إذا صدر بيان عن وزارة أو سفارة عربية واسلامية يتعلق بعودة القدس وتحريرها من اليهود، مستشهداً بقوله تعالي: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) أو بقوله جل شأنه في سورة الإسراء نفسها: (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا).

أدرك جيداً أن لدينا مراهقين متحمسين ومتطرفين مسلمين كثراً بين صفوف الشعوب التي ذاقت ويلات الظلم والبغي والعدوان، ولمثل هؤلاء أنشأنا دوائر في مجمع البحوث الإسلامية، ومراكز الاعتدال، والتسامح، والحوار، لكن الكارثة لدى الطرف الآخر، أن متطرفيهم هم رؤساء ووزراء ومسؤولون، بدوا في الحفل بغداديين أكثر من البغدادي، وزرقاويين أكثر من الزرقاوي!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store