Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

هل أصبح الأدب في خطر؟

الكتاب الإلكتروني الذي كان يفترض أن يباع بقوة لرمزية سعره بالقياس للكتاب الورقي، ليست له حتى اليوم سوقًا حقيقية.. ما يزال تجربة محدودة الفائدة، إن لم نقل فاشلة من أصلها، لأن الألعاب وكل ما تنتجه المؤسسات العاملة في الحقل الافتراضي في الصين وأمريكا واليابان بالخصوص، المتنافسة على المستهلك، تستثمر حيث يوجد استهلاك كبير، فأغرقت الأسواق بالتطبيقات السهلة المرتبطة بالألعاب المختلفة، والمرتبطة بالحاجات المباشرة للفرد..

A A
يتم تداول هذه الجملة كثيرًا في الأوساط الثقافية العربية والعالمية بصيغ كثيرة ومختلفة، ولكنها في مجملها تؤدي إلى نفس التصور وهي أن الأدب اليوم، في ظل عالم افتراضي، لم يعد يأبه كثيرًا باللغة والأحاسيس العميقة، وبالنظم التي ابتدعها سابقًا، أصبح في خطر حقيقي، ومهدداً بالانتفاء. المسألة مرتبطة فقط بعامل الوقت لا أكثر بعد أن تم تضييق مساحاته المختلفة، وحصرها بشكل مخيف بينما اتسع العالم الافتراضي لدرجة ابتلاع كل شيء، بعد أن كان الأدب، والرواية تحديدًا، على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين سيدَي المشهد.. مساحة قرائه أصبحت أيضا شديدة الضيق.. نسبة كبيرة من المستهلكين للأدب يجدون حياتهم الروحية في الهواتف الذكية التي توفر كل شيء.. كل ما يحتاجونه بما في ذلك الحاجات الجنسية والثقافية الخاصة.. حتى الكتاب الإلكتروني، والكتاب الصوتي، المعول عليهما منافسة السهولة الاستهلاكية، من خلال نفس الوسائط، لم يحلا

المشكلة من حيث وضع حد للنزيف القرائي..

الكتاب الإلكتروني الذي كان يفترض أن يباع بقوة لرمزية سعره بالقياس للكتاب الورقي، ليست له حتى اليوم سوق حقيقية.. ما يزال تجربة محدودة الفائدة، إن لم نقل فاشلة من أصلها، لأن الألعاب وكل ما تنتجه المؤسسات العاملة في الحقل الافتراضي في الصين وأمريكا واليابان بالخصوص، المتنافسة على المستهلك، تستثمر حيث يوجد استهلاك كبير، فأغرقت الأسواق بالتطبيقات السهلة المرتبطة بالألعاب المختلفة، والمرتبطة بالحاجات المباشرة للفرد.. تظل التطبيقات الخاصة بالعالم الأدبي، قليلة لأنها غير مفيدة تجاريًا.. لهذا فإشكالية أن الأدب في خطر ليست فانتازما شخصية أو جماعية، ولكنها حقيقة يبررها واقع موضوعي، في ديناميكية

مستمرة..

ويبدو نداء تودوروف الذي بطنه في كتابه النقدي المميز: الأدب في خطر، جديرًا بالاهتمام.. فقد أعلن بشكل صريح، قبل سنوات قليلة، عن اخفاق الناقد في مهمته الأساسية التي هي الدفع بالقارئ نحو النص الإبداعي، الروائي بالخصوص، ونحو مساحات الأدب الجديدة التي وفرتها التطبيقات الأكاديمية الحديثة، اعتمادًا على البنيويات المختلفة والسميائيات والتفكيكيات التي وظفت الجهد النقدي للتوغل عميقًا في النصوص الأدبية أو المقاربة لها.. لكن الذي حدث في المحصلة هو أن النص انغلق على المقولات الجاهزة، وبدل أن يشيَ بغناه الداخلي، تحول إلى أشكال وبيانات تبعد القارئ أكثر مما تقربه من النص.. بينما يحتاج القارئ إلى غوايات أدبية حقيقة وليس إلى أدوات ثقيلة ومنفرة.. شكل هذا الكتاب الصغير، أو الصرخة النقدية، الأدب في خطر، علامة فارقة بالنسبة للنقد الجديد وفي كيفيات التعامل مع النص الأدبي الذي كان يحتاج، ربما،

إلى مقاربات أقل تعقيدًا وأكثر إغواء للقارئ..

نتج عن ذلك موجة نقدية سلكت طرقًا أخرى نحو النص الإبداعي غير تلك التي حصرته في دائرة مغلقة باسم الأدبية والشعرية المفرطة.. وحاولت أن تخفف من المجال الأكاديمي أكثر، ففتحت القراءة على أبوابها الثقافية الأكثر اتساعًا، وليس النقد الثقافي إلا أحد تجلياتها.. من هؤلاء الناقدة والإعلامية الكندية كاترين فواير ليجي Catherine Voyer-Léger التي تقول لدرء المخاطر المحدقة بالنقد، لأن هذا الأخير أصبح أيضًا في خطر بعد أن سرق منه الإعلام السريع والاستهلاكي الميال إلى البيست سيلر، كل جهوده: هناك تغير في الذهنيات.. وليس عبثًا أن أسمي كتابي: مهنة الناقد Le Métier de critique الأمر يعني بأن هناك شيئًا فعلاً

متخصصًا لا يمكن لأي كان القيام به.

من هنا يمكننا تجاوز الثنائية: أحب/ لا أحب.. نحتاج إلى إعادة تقييم مهنة الناقد وتخصصه.. ويحتاج النقاد أيضًا إلى مساحات أوسع غير تلك المتاحة لهم اليوم.. عمل الكثير من النقاد ضمن هذا الجهد الجمعي لإنقاذ الأدب، وتوسيع مجالات النقد الأدبي، ضمن هذه الدائرة الثقافية والمعرفية التي تهدف إلى تدمير قلاع النقد المغلقة أكثر والزجّ بالقراءة نحو دينامية الحياة والوجود الإنسانيين، دون أن يخسر النقد الجديد جوهر مقولاته التي تأسس عليها.. لكن الافتراضية الطاغية على كل مناحي الحياة، عقدت من مشروع الإنقاذ، في عالم ميال إلى السهولة واستهلاك الصورة.. أصبحت التطبيقات الخاصة بالأدب والكتاب الإلكتروني والمسموع، أو حتى المصور والمليء بالروابط، وسيلة للمقاومة لتأخير لحظة أفول الأدب.. لا نعرف اليوم بدقة، هل سيبقى شيء اسمه الأدب بالصورة التي عرفناها، بعد سنوات قادمة؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store