Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

رمضان.. شهر البركة والتقوى

إن أكثر ما يُؤلمني من مشاهد في الحرم النبوي الشريف ومساجد المدينة عموماً، انتشار أحذية المصلِّين عند بوَّابات الحرم والمساجد، والتزاحم عند الخروج منها، وفوضى حركة المركبات وعرقلتها للسير

A A
روي عن رسولنا الكريم قوله: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».. وهنيئًا لمَن مكَّنه المولى من صيامِ الشهر المبارك في الرحاب المقدَّسة؛ بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ومسجد رسولنا الكريم في المدينة المنوَّرة، وما فيه من راحةٍ وطمأنينة يلمسها كلِّ من فطر في رحابه المباركة، يفكُّ الريق بوجبة الإفطار، مع مئات الألوف من الصائمين، بعد أن أدَّى معهم صلاة العصر جماعة، وقرأ ما تيسَّر له من القرآن الكريم، واستمع إلى تلاوات مباركة من حَفَظَةِ كتاب الله الذين يتحلَّقون داخل الحرم، وأمامهم حافظ متمكِّن من صحَّة التلاوة يُصوِّب للقارئ تلاوته. ومع قرب ساعة الغروب، يشاركهم رفع أكفِّ الضراعة ملتمسًا معهم كرم المولى بالعفو والعافية، وراجيًا قبول صيامه، واستجابة رجاء المتوسِّلين، آخذًا مكانه في الصفوف المتراصَّة والمتقابلة.. وبين كلِّ صفَّين متقابلين، مدَّت سفر رصَّت فوقها أنواع مختارة من التمور والرطب، وقِطَع من خبز الشريك المديني مع الدقَّة، وعلب صغيرة من لبن الزبادي بجانب دلال القهوة. كلُّ هذا مقدَّم تطوُّعًا من بعض وجهاء المدينة المنوَّرة، ورثوها أبًا عن جدٍّ، ومن مقيمين ومهاجرين معروفين لمن يرتادون الحرم، وما إن يرفع المؤذِّن أذان المغرب حتَّى يفكُّ المصلُّون الريق بشربة من ماء زمزم، وبحبَّات من التمر والرطب، وهم يُردِّدون الدعاء المأثور: «اللَّهم إنِّي لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وبك آمنت، وعليك توكَّلت. ذهب الظمأ وابتلَّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله».. ثم يستكمل الصائمون وجبة إفطارهم، ليعود المسجد إلى ما كان عليه من نظافةٍ وترتيب، بعد سحب عُمَّال نظافة الحرم؛ السُّفَر إلى خارج بوَّابات الحرم، ومن ثمَّ تعود صفوف المصلِّين لأداء صلاة المغرب، تجمعهم عقيدة التوحيد التي أزالت العصبيَّة والعنصريَّة، والتأكيد بأن لا فضل لعربيٍّ على أعجميّ الَّا بالتقوى.

التقوى، هي بيت القصيد.. عرَّفها سيّدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعريفًا موجزًا بليغًا مُعبِّرًا حيث قال: إنَّ التّقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتَّنزيل، والرّضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرّحيل. بهذا التعريف الكافي الوافي انتشر الإسلام في شرق العالم وغربه في فترةٍ قياسيَّة من الزمن. وهذا ما تحتاجه أمتنا الإسلامية اليوم: تقوى تُمكِّنهم من تقويم بنيان مجتمعاتهم بعد أن صدَّعها ابتعاد مُسلميها عن ثوابت عقيدتهم من تآخٍ وتعاون على ما فيه خير بلادهم.

إن أكثر ما يُؤلمني من مشاهد في الحرم النبوي الشريف ومساجد المدينة عموماً، انتشار أحذية المصلِّين عند بوَّابات الحرم والمساجد، والتزاحم عند الخروج منها، وفوضى حركة المركبات وعرقلتها للسير.. وكم هو جميل أن تُخصِّص شبكات الإعلام المرئيِّ والمسموع والمقروء مساحات من أنشطتها لتقريب مفهوم التقوى، وطرق تطبيقه بما يعود على الأمَّة الإسلامية من استقامة أفرادها، وإخلاصهم في القول والعمل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store