Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

غرائب الطبيعة البشرية

A A
* أكاد أجزم، أن طبيعة النفس البشرية، هي أصعب ما واجهته الفلسفة والعلوم على امتداد القرون. فالإنسان كائن معقّد، لا تخضع تصرفاته وردود أفعاله للبديهة والمنطق، ولا يمكن تفسير أيّ منها بمعادلة منطقية كـ 1+1=2. ومن أجل تحقيق النجاح في المعاملات اليومية وغير اليومية، مع النفوس البشرية، حريّ بنا أن نتأمل بعض غرائبها.

* من غريب الطبيعة البشرية، ما ذكره الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، أن «الناس لا يأخذون بجدية كافية، أي خدمة تقدم لهم بلا مقابل أو بسعر منخفض» وروى في ذلك تجربة له، حينما كان يعمل في مكتب للاستشارات القانونية، وطُلب منه إعداد عقد من عقود الشركات. كانت المكاتب حينها تأخذ عن هذا العقد ١٥ ألف ريال، ورأى غازي -رحمه الله- أن المبلغ مبالغ فيه إذ لا يرى أن العقد يتطلب أي مجهود يُذكر. فقرر أن يأخذ ٥ آلاف ريال فقط. نبّهه أحد الأصدقاء أن هذا القرار لن يضر أحداً غيره. ماذا حدث؟ تجنّب العملاء المكتب «الرخيص» الذي ينتج العقود «الرخيصة»، وذهبوا للمكاتب التي تنتج نفس العقود بالقيمة العالية.

* من غريب الطبيعة البشرية، أن الانسان يضطهد نفسه، فلا يثق بها، ولا يحبها حق الحب. ثم يطلب من الناس أن يكونوا منصفين تجاهه، وينتظر منهم الحب. وأنّى لهذا أن يحدث؟ لا يفهم الكثيرون أن حب الآخرين يستحيل، إذا لم يمنح الانسان حبه هو لذاته. وتقدير الذات في المقابل، يفرض تقدير الآخرين.

* ‏ومن غرائب النفس البشرية، أن العلاقة بين الغنى والكرم عكسية. فقد يكون الانسان كريماً، ثم يكثر ماله، فيكثر حرصه ويقل عطاؤه. يقول أحدهم: كنا فقراء وننتظر ما يأتينا من صدقات، ورغم شدة جوعنا كنا نتنازل عن حاجاتنا لبعضنا البعض، ونشبع من نظرة رضا. ولما أصبحنا أغنياء ومعنا ما يغنينا؛ ساءت أخلاقنا، ولم نعد نشبع، وزادت الخلافات بيننا حتى أوصلتنا للمحاكم!

‬* ‏ومن الغرابة بمكان، أن يحب الإنسان المغادر، ويزهد في العاشق الحاضر. ويصل ذلك للدرجة التي يهيم فيها الانسان حُباًّ بأحدهم، حتى إذا نال حب الطرف الآخر، تلاشى حبه فجأة! فالنفس كما يقال «تكره ما لديها، وتطلب كل ممتنع عليها». وفِي هذا أبدع الجاحظ حينما قال إن العاشق متى ظفر بمعشوقه، مرةً واحدة، نقص تسعة أعشار عشقه!.

وأخيراً، أختم المقال بأسوأ الغرائب لا أغربها، وهو أن الطبيعة البشرية تمقت التغيير وتحاربه.. وتستمرئ العيش المستقر، مهما كان سيئاً.. فكما قال والتر باجيوت، «إن أعظم آلام النفس البشرية هو: ألم الفكرة الجديدة!»

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store