Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

الدين شعائر ومشاعر

A A
يقول الله سبحانه وتعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، والإسلام هو توحيد الله وعدم الشرك به والاستسلام له بالطاعة، ومن التزم بهذا المفهوم فهو مسلم مهما كانت ملته أو طائفته. ومن هذا نقول: إن دائرة الإسلام واسعة، وليست كما يعتقد البعض أنها قاصرة على ملة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس لعبادته وتوحيده، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، والعبادة تتم من خلال سبيلين: أحدهما إقامة شعائر الله التي أمر بها كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعيدين، وما يندرج تحتها جميعاً من أفعال وأقوال.

والآخر: هو المعاملات الحياتية التي تمتزج بالمشاعر الإنسانية، مثل تقديم الصدقات للمحتاجين ومساعدة الغير في تجاوز محناته وكرباته، ومثل أداء الأمانات إلى أهلها والصدق في القول والوفاء بالوعود والعهود، ومثل صلة الأرحام، ومثل التكافل والتراحم مع أفراد المجتمع، ومثل حفظ اللسان من الزلات وحفظ اليدين من إيذاء الآخرين والرجلين عن المشي في طريق الحرام، ومثل الابتسام في وجوه الآخرين، وخاصة إذا كُنَّا في مقامٍ خدمتهم كوظيفة أو تقديم معونة، ومثل كتم الغيظ عند الغضب أو الاستفزاز أو الشعور بالظلم، وعند التسامح في البيع والشراء وكافة المعاملات، ومثل التواضع ونبذ التكبُّر ورحمة الآخرين، والعفو عند المقدرة، ومثل اتقان العمل والحرص على عدم الغش والتهاون فيه، وعدم تقبُّل الرشوة، ومثل الالتزام بالنظافة في المظهر والشارع والمكتب والمسجد، ومثل الصبر عند الفواجع، وفي المواقف التي تخضع للامتحان، والحرص على إماطة الأذى من الطريق والتوعية والنصيحة الصادقة ونشر القِيَم الفاضلة بين الناس، وكل هذه العبادات المشاعرية التعاملية كانت سلوك الأنبياء والرسل، كما قال رسولنا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق)، وهي من ذكرها الله سبحانه وتعالى عندما وصف دين الإسلام في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، فالصراط المستقيم هو اجتناب ما حرم الله سبحانه في كتابه الكريم واتباع القِيَم الفاضلة التي تتمثَّل في سلوك الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

ولعلنا من خلال ما سبق نقول: إن العبادة ليست إقامة شعائر فقط، بل هي التزام أخلاقي مع النفس ومع الغير، وامتثال لما كان عليه نبينا من سلوكٍ قويم وقِيَم فاضلة، وهذا ما لا يتوفر في الكثير من أفراد مجتمعنا ممَّن أهمل أو تهاون في الالتزام بعبادة الشعائر المفروضة وربطها بمشاعر المعاملة الحياتية التي تُعدُّ انعكاساً تاماً لصلاح تلك الشعائر. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store