Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

اكتسب الهوايات لتستمتع بالأوقات

الحبر الأصفر

A A
بَدَأتُ أَلمس هَذه الأيَّام كَثرة المَلَل والتَّضجُّر، فصِرتُ أَبحَثُ عَن دَوَاعي المَلَل، ومُسبِّبات «الطَّفَش»، فوَجدتُها كَثيرة، ومِن الصَّعب حَصرُها فِي مَقال، ولَكن دَعونَا نَذكُر -عَلَى الأَقَل- سَبباً مِن أَسبَاب المَلَل، كُلَّمَا جَاءَت الفُرصَة وسَمحَ المَجَال..!

قَبْل فَترَة، كَتبتُ نَاصية أَقول فِيهَا: «كُلَّما اتّسعَت دَوَائِر اهتمَام الإنسَان وهوَايَاته، كُلَّما استَمتَع بالحَيَاة أَكثَر، وزَاد حُبُّه لَهَا».. هَذه النَّاصيَة تُعَالج جَانِباً مِن جَوَانِب المَلَل، وسأَشرَح الفِكرَة عَلَى النَّحو التَّالِي:

تَخيَّل أَنَّك شَابٌّ، لَا تَفهَم إلَّا فِي أَنوَاع الحَمَام، وطَريقة تَربيته وأَشكَاله وأَلوَانه، ولَا تَفقَه شَيئاً فِي غَير هَذه الهوَايَة.. ستَتَمنَّى -حِينهَا- أَنْ تَكُون كُلّ الجَلسَات والاجتمَاعَات؛ تَدورُ حَول الحَمَام، حَتَّى تَستَطيع استيعَاب المَوضوع والمُشَاركَة فِيهِ..!

مِثَالٌ آخَر: تَخيَّل أَنَّك لَا تَفهَم إلَّا فِي أمُور السيَّارات، وأَشكَالهَا وأَسمَائهَا ومُوديلاتهَا، ولَا تَفقَه فِي غَير مَجَال السيَّارات شَيئاً، فلَن تَجد نَفسك إلَّا فِي عَالَم «الشِّريطيّين»..!

مِثَالٌ ثَالث خَاص بـ»النِّسَاء»: تَخيَّلي أَنَّكِ لَا تَفهمين إلَّا فِي أمُور المكيَاج، ومَاركَاته ومُستوَيَاته وتَدرُّجاته وأَلوَانه.. إنَّكِ -فِي هَذه الحَالَة- لَن تَستَمْتَعِي إلَّا فِي المَجَالِس؛ التي تَدور فِيهَا الأَحَاديث حَول عَالَم المِكيَاج، لأنَّ العَقل لَديه قَانون التَّركيز، فهو لَا يُفكِّر ولَا يَهتمُّ إلَّا بِمَا يُركِّز عَليه..!

إنَّ الثَّقَافَة -فِي أَبسَط تَعريفَاتهَا- تَعنِي أَنْ تَأخذ مِن كُلِّ فَنٍّ بطَرف، وقَد صَاغ أَهْل العِلم هَذا التَّعريف؛ حَتَّى يُوسِّعُوا مِن مَدَارك واهتمَامَات وهوَايَات الإنسَان، وبالتَّأكيد لَن يَكون مُتخصِّصاً، ولَيس مَطلوباً مِنه ذَلك، بَل المَقصود أَن يَلمّ ويَعرف أَسَاسيَّات وأَبجديَّات كُلِّ فَنٍّ، حَتَّى يَستَمتع فِي كُلِّ جَلسَة يَجلسها، وكُلِّ مُجتَمع يَغشَاه..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّني قَلَّصتُ دَوَائِر المَلَل ومُربَّعَات التَّذمُّر، مِن خِلال تَوسيع دَائِرة اهتمَامَاتي، حَتَّى صِرتُ -بدُون مُبَالغة- أَجد مُتعَة فِي أَي مَوضوعٍ يُطرَح، ولقَد استَمتَعْتُ بِنَصيحة أَحد الفَلَاسِفَة حِين قَال: «احرص عَلَى أَنْ تَعرف كُلَّ شَيء عَن شَيءٍ وَاحِد، وأَنْ تَعرفَ شَيئاً وَاحِداً عَن كُلِّ شَيء»..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store