Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

السعودية.. تغييرٌ سريع ومواكبة اجتماعية مطلوبة (٥)

A A
«لا شيء يُقارب قدرة الحلم على صناعة المستقبل.. ما قد نعتقده (يوتوبيا) اليوم سيصبح واقعاً من لحمٍ ودم غداً».

بهذه الجملة يُعبّر الروائي والشاعر الفرنسي المعروف، فيكتور هوغو، عن قدرة الحلم على صناعة المستقبل.. والمقصود بالحلم هنا ليس رؤيةً خيالية يعيشها النائمون، وإنما التطلع للمستقبل.. إنه ذلك التحفز النفسي والعقلي والعملي لرؤية واقعٍ أفضل في كل مجال.. وهذا ما لا يمكن وجوده بعيداً عما تحدثنا عنه في المقال السابق من حضور الاستعداد النفسي للتغيير والانفتاح الفكري له.. سواء كان هذا لدى شرائح امتلكت خلفيةً ثقافيةً واجتماعية خلقت ذلك الاستعداد ابتداءً، أو لدى شرائح أخرى عاشت، بدورها، واقعاً ثقافياً واجتماعياً، رسّخَ في وجدانها صوابية (استقرار الأوضاع المألوفة) والخوف من أي تغييرٍ ممكنٍ لها. لهذا، تقول خبيرة التغيير الاجتماعي الأمريكية، غلوريا ستاينم: «أول مقاومة للتغيير الاجتماعي تكمن في الاعتقاد بأنه غير ضروري».

رغم هذا، نضحك على أنفسنا إذا توهمنا بأن الاستعداد النفسي المذكور يكفي وحده لـ(تفعيل) عملية التغيير و(توسيع) آفاقها و(تحديد) ملامحها القريبة والمستقبلية.. تلك إذاً خطوةٌ لازمةٌ لكنها غير كافية كما يقولون.

لكن ثمة مهمةٌ أساسية لا يمكن استيعاب ذلك الاستعداد النفسي بشكلٍ فعال دون القيام بها.. تتمثل في إيجاد القنوات والهياكل والقوانين والأنظمة التي تستوعب أنواع الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي الذي سينتج بشكل طبيعي عن الرغبة النفسية في التغيير والتطوير.

ومفرق الطريق، الحساس، في هذا الأمر ألا تتوقف المسيرة عند إيجاد القنوات وخلق الهياكل وسنّ القوانين ووضع الأنظمة بمظهرها الخارجي أو صياغاتها اللفظية.. فالعجيب في الحياة الإنسانية، خاصةً فيما يتعلق بمثل هذه الأمور، وجود الإمكانية لأن تُصبح محركاً هائلاً للتغيير والتطوير، تماماً كما هو الهدف الأصيل منها. لكن الاحتمال واردٌ أيضاً لتعود عنصراً رئيساً لقتل عملية التغيير والتطوير في مهدها. فبطبيعة البشر، يوجد في كل مكانٍ من العالم، والمملكة جزءٌ منه، النشيط والكسول، والعالم والجاهل، والأمين والخائن، والمخلص وصاحب المصلحة، والمُبادِر والسلبي. إلى غير ذلك من التصنيفات السائدة في المجتمعات بشكلٍ طبيعي.

بهذا، يُصبح الإنسان الذي يتواجد، بمختلف درجات المسؤولية، من المدير إلى أصغر موظف، في قنوات وهياكل التغيير الجديدة، أخطر حلقةٍ في سلسلة العملية التغييرية.. ومعه بنفس الخطورة، المسؤول عن تنفيذ القوانين والأنظمة.

ماذا نفعل إذاً وقد ذكرنا أن وجود الأصناف المختلفة للبشر، المذكورة أعلاه، أمرٌ طبيعيٌ في الاجتماع البشري؟

هنا يعود دور القيادة السياسية في وضع عملية التغيير في إطارها المتكامل.. فمن تشغيل مدخل الحوافز بأنواعه، وصولاً لتفعيل آليات المتابعة والرقابة والمحاسبة، مروراً ببرامج التدريب والتأهيل المهني والثقافي، تنطلق عملية التغيير بشكلٍ جوهري، ولو كان تدريجياً يأخذ بعين الاعتبار عقوداً من ثقافةٍ تقليدية سائدة في مثل هذه المجالات.

فإذا أضفنا إلى تلك النظرة التي تستصحب الواقعية عناصر أخرى مثل فتح فرص المسؤولية أمام الطاقات المتميزة، المخضرمة منها والشابة، وهي كثيرةٌ جداً في المملكة. والتأكيد على كل معاني الابتكار والإبداع و(التفكير خارج الصندوق) فيما يتعلق بالأنظمة والقوانين والهياكل، يصبح (الحلم) الذي تحدث عنه (هوغو) في بداية المقال واقعاً من لحمٍ ودم.

لم يكن ثمة مجالٌ لحديثٍ عن التغيير والتطوير في المملكة، ابتداءً، لولا تواتر أنظمة وقوانين وهياكل التغيير المتسارعة فيها، فهذا شرطٌ لازم لا إمكانية للتغيير في غيابه. أما الخطوة التالية، التي تبدو ملامحها الأولية، لكن الحاجة لتفعيلها تبقى موجودةً وضرورية، فتتمثل في غرس روحٍ جديدة لا مفر من وجودها اليوم في تلك الأنظمة والقوانين والهياكل، ليشعر الإنسان عملياً بأثرها في حياته، ويدرك أنها ليست مجرد عناوين أخبار.

وكما ذكرنا سابقاً: «لقد حاول كثيرون في العالم العربي تحريك قطار التغيير مع التلاعب بوجهتهِ بهلوانياً.. فجاءت النتيجة كارثيةً على جميع المستويات. لأن مثل تلك الممارسات تليق بالحواة ولاعبي الأكروبات في السيرك، وليس بصانعي السياسة والقرار على أرض الواقع. والذي يعرف شيئاً عن المملكة يعرف أن مثل تلك الممارسات ليست خياراً بأي شكل من الأشكال، على الأقل نظراً إلى حجم الجدية الكامن في إرادة وصيرورة التغيير فيها حتى الآن».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store