Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الأوامر الملكية.. ولكل ليلاه

المكتبات في كل حي، هي التي تحول المجتمع من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الوعي، ومقولة "الأجيال لا تقرأ" مقولة خادعة لأن الأجيال لو أنها وجدت ما تقرأ واعتادت على القراءة وارتياد المكتبات ربما التهمت ما تجده كالجائع في سوق العيش

A A
عندما يعلن التلفزيون: « أوامر ملكية بعد قليل « نتحلق حوله، يهدأ الريموت ويلتقط أنفاسه من التحريك أو التقليب، يصمت الجميع وتبدأ حفلة التخمينات والأمنيات، و» بعد قليل « يطول كليلِ الصب والعاشق ينتظرغده. لأن الأوامر الملكية تأتي محملة بالأخبار الطيبة في أي اتجاه وحول أي أمر.

فجر السبت 17 رمضان 1439هـ/ 2 يونيو 2018م، تحلقنا حول التلفزيون، وأنصتنا بشغف للأوامر الملكية الكريمة التي اشتملت على 32 أمراً، منها انشاء هيئة ملكية لمدينة مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، إنشاء مجلس للمحميات الملكية في الديوان الملكي برئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وإنشاء إدارة لمشروع جدة التاريخية ترتبط بوزارة الثقافة، ولأن كلاً يغني على ليلاه، أطربت وزارة الثقافة المثقفين، وجددت طرح أمنياتهم، رؤاهم، ومقترحاتهم، مع أن إنشاء وزارة الثقافة هو بمثابة فصل التوائم، لأن التصاقها بوزارة الإعلام أعاق فاعلية أدوارها، لما للإعلام من جاذبية تحيل كل طاقات العمل الإبداعية باتجاهه بقوة وإصرار على حساب الثقافة المورد أو النبع الصافي للطاقات الإبداعية في كافة المجالات وخصوصاً الإعلام الذي استنفد طاقات وامكانيات الوزارة في استحداث قنوات وبث برامج لم يرتق بعضها للمستوى الذي يرضي ذوق المشاهد حتى البسيط الذي لا يتوفر على مستوى ثقافي متوسط، لكنه يمتلك فطرة سليمة تميز بين الغث والثمين، وتنتقي بذائقة رائقة ما يستحق المتابعة والمثابرة عليها.

ربما لذلك ظل قطاع الثقافة يعاني لأنه الحلقة الأضعف في وزارة الثقافة والاعلام، وظل المثقف غير راضٍ، لأنه محصور في نطاق الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون وكلتاهما لا تستوعبان إمكانياته وطموحاته وتطلعاته، وعندما أنشئت هيئة الثقافة حمل آماله وطموحاته في جراب الانتظار لما تسفر عنه رؤيتها وما تقدمه له بعد كل هذه الآمال التي عقدت عليها، لذلك استحوذ الأمر الملكي الكريم بفصل الثقافة عن الاعلام، واستحداث وزارة للثقافة، على اهتمام المثقفين والإعلاميين، وأفردت الصحف صفحاتها لطرح آراء المثقفين والمثقفات حول رؤيتهم للوزارة وللثقافة وماهي الطموحات والتطلعات التي يحملها وجدان وعقل وقلب المثقف الذي بح صوته وجف قلمه وهو يطالب بمجالات أرحب للمثقف يثري بها عقله ويستثمر فيها جهده، فالثقافة جهد فكري متواصل لا يفطم المثقف منه، ولا التوقف عن التزود من كل مجال معرفي؛ علمي أدبي تاريخي فلسفي، كل هذه المجالات هي غذاء المثقف الفكري، وهو بحاجة إلى دعم كدعم بعض أنواع المنتجات الغذائية، أو البترولية لتستمر المركبات في أداء مهمتها.

ونأتي إلى أولى تطلعات المثقف، كل مثقف يحلم بمكتبة عامة قريبة يقصدها كل يوم يجد فيها حاجته بدلاً من عودته محملاً بالكتب في كل مرة يسافر فيها أو يرتاد معارض الكتب، ربما ليس غريباً أن تحصد معارض الكتب في الرياض وجدة هذا الاقبال الشرائي المذهل للكتب، ليس لأن المواطن السعودي يقرأ أكثر من غيره، بل لأن المثقف يحتاج إلى الكتاب فهو غذاؤه الفكري.

المكتبات إذاً هي التي نحتاجها ليس كمثقفين، بل كمواطنين متحضرين، حتى الطفل منذ أن يفك الحرف لا بد له من رؤية الكتب على الارفف كما يشاهد المواد الغذائية،

المكتبات في كل حي، هي التي تحول المجتمع من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الوعي، ومقولة «الأجيال لا تقرأ» مقولة خادعة لأن الأجيال لو أنها وجدت ما تقرأ واعتادت على القراءة وارتياد المكتبات ربما التهمت ما تجده كالجائع في سوق العيش.

الجوائز التشجيعية للإبداع بكافة مجالاته، السماح بتكوين مؤسسات مجتمع مدني للكتاب والمبدعين والمثقفين تعين الوزارة على أداء مهامها، والسماح بالمقاهي الثقافية لأنها تستقطب الشباب الذي نشأ ولم يعرف المكتبة إلا لشراء اللوازم المكتبية فقط، فتيسير الأمر على الشباب له مردود إيجابي على تنمية الوعي واستثمار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store