Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

الثقافة السعودية: النفط القادم

ثقافتنا السعودية هي قوتنا الناعمة التي لم نستخدمها قط، هي حقول النفط المتدفقة التي تنتظر التنقيب الجاد، وكما تعاملنا مع الثروة التي عرفنا بها العالم، فلسوف نتعامل بنفس الدقة والانضباط والحرفية ليعرفنا العالم بثقافتنا الأصيلة، وهويتنا المتجذرة، وحقيقتنا المشرفة والمخالفة لكل نمط تقليدي متهالك..

A A
لسنا اليوم بصدد عرض الوضع القائم للمشروع الثقافي الوطني، ولا بحصر مشاكله، أو ذكر المطبات التي اعترضت طريقه، أو لوم الصدمات التي تعرض لها على مر سنوات طوال. يكفي أن نلخص الأمر بقولنا إن المشروع متعثر، وأنه تخبط كثيراً كلما أُوكلت مسؤوليته إلى مؤسسات قائمة بذاتها دون استراتيجية خاصة به، فمن وزارة التعليم، إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ثم إلى وزارة الإعلام التي حملت عبئه فوق أعبائها الثقيلة والمهمة جداً، فانطلقت وهو يترنح في أعقابها.

اليوم نحن بصدد المستقبل الباهر الذي يبشر به قرار إنشاء وزارة تنفرد بها الثقافة، ويتولى أمرها وزير شاب له تطلعات مستقبلية تتماشى مع رؤية المملكة 2030. يرى الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود أن وزارته ستكون «الراعي الرئيسي للنهوض بالقطاعات الثقافية المختلفة في المملكة وتعزيز دور «القوة الحضارية» للسعودية، واستعادة قوتها التي كانت مغيَّبة». يدرك هذا الوزير أن الثقافة التي يتولى أمرها لا ترتبط مفاهيمياً بالترفيه والتسلية وتزجية وقت الفراغ، بل هي ذلك الثقل الحضاري المتراكم الذي يدخل في تكوينه جميع المكتنزات الوطنية، هي السجل التاريخي الذي توارثه أبناء هذا الوطن، وهي هويتهم وملامح شخصيتهم وأفكارهم وتصوراتهم.

لقد رأينا النقلات الكبيرة في الاعلام والترفيه والسياحة، لكن الثقافة هي الرافد الحقيقي الذي سيوفر المادة التي تثري النشاط الإعلامي والترفيهي والسياحي، هي الوقود الذي سيحرك قاطرة كل منهم، لكن الأكثر والأهم من ذلك هو أن الثقافة هي التي ستقدم التهيئة الذهنية للتقبل وللتفاعل الناضج مع المنتج المعروض على المتلقين. على الصعيدين، ابتكار المحتوى الجمالي الهادف، وإعداد السلوك الجماهيري لاستقباله، يتجلى دور الثقافة الحيوي في التنوير المجتمعي وفي احتواء أفراده كأعضاء فاعلين ومتفاعلين.

على خطى الرؤية ننطلق في مسيرة التنمية الشاملة وقد أعطيت الثقافة حقها في نشر الوعي وفي التحفيز على الابداع، ولكن قطاع الثقافة يملك مفاتيح الارتقاء بصناعة الثقافة، فكل العناصر الحيوية التي تعزز هذا الكيان المستحدث لا بد أن تصب في مشروع التمثيل الخارجي الذي يظل مطلباً حيوياً للمملكة العربية السعودية، فالصورة السائدة في الخارج لم تخرج عن إطار التشويه والنمطية المسيئة.

إن المملكة العربية السعودية ثرية جداً بإمكانياتها الثقافية المتنوعة التي لم يتم كشفها ولا استغلالها، والمهمة التي تشغلنا اليوم هي الكيفية التي سنحصر بها تلك الإمكانيات، والكيفية التي سنؤهلها بها لتقديمها للعالم كمنتج راقٍ وعلى مستوى المنافسة الخارجية. السوق الخارجي ليس فقط مستعدًا لاستقبال منتجنا الثقافي، بل هو متلهف للاطلاع عليه، وهو مترقب للحظة وصوله إلينا وتواصله معنا.

تبشر وزارة الثقافة الجديدة بانعكاسات تنموية وتطويرية هائلة ستعود بالخير على هذا المجتمع بإذن الله تعالى، ففي إنشائها إيمان بالإنسان السعودي ومواهبه وقدراته، وفيه وعي بأهمية دور الوزارة في الحفاظ على موروثاته الوطنية، وفي التعامل معها ككنوز يمكن استغلالها لتكون مورداً اقتصادياً للبلاد، وذلك بتطويرها وإعادة صياغتها في قوالب جمالية وفنية مبتكرة.

ثقافتنا السعودية هي قوتنا الناعمة التي لم نستخدمها قط، هي حقول النفط المتدفقة التي تنتظر التنقيب الجاد، وكما تعاملنا مع الثروة التي عرفنا بها العالم، فلسوف نتعامل بنفس الدقة والانضباط والحرفية ليعرفنا العالم بثقافتنا الأصيلة، وهويتنا المتجذرة، وحقيقتنا المشرفة والمخالفة لكل نمط تقليدي متهالك.. لذلك أنشئت وزارة خاصة للثقافة، فوقتها قد حان، ودورها في الداخل وفي الخارج قد أزف، فكل ما اختزنته هذه الأرض من ثروات بشرية سوف يظهر في فضاء ثقافي عصري كأفضل مشروع معرفي وفكري واستثماري ناضج.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store