Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

كلٌّ يدّعي وصلاً بوزارة الثقافة!!

الحبر الأصفر

A A
قَبْل أَيَّام أَصدَرَت الدَّولَة -وَفّقهَا الله- قَراراً بإنشَاء وزَارَة خَاصَّة للثَّقَافَة، وهو قَرَار كَان النَّاس يَنتظرونَه مُنذ سَنوَات، لِذَلك دَعوني فِي بدَاية المَقَال؛ أُبارك لسمو وَزير الثَّقَافَة -الذي لَم أَتشرَّف بَعد بمَعرفته شَخصيًّا-، الأَمير «بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود»، مُهنِّئًا إيَّاه بهَذَا المَنصب، وهَذه الثِّقَة المَلكيَّة الغَاليَة، سَائِلاً الله أَنْ يَرزقه التَّوفيق والسَّدَاد، والنَّجَاح والفَلَاح.

ولِي -بَعد قَرَار إنشَاء وزَارَة الثَّقَافَة- عِدَّة مُلَاحَظَات، أَوّلهَا: أَنَّني قَرأتُ عَشرَات التَّغريدَات لبَعض الكُتّاب، كُلُّ مِنهم يَزعم أَنَّه أَوَّل مَن طَالَب باستحدَاث وزَارَة للثَّقافة، وهَذا الادِّعاء مُثير للسُّخريَة مِن عِدَّة نَواحٍ، أَهمّها أَنَّ «وزَارَة الثَّقَافَة» مَوجودة فِي مُعظم دول العَالَم، أَي أَنَّها مِن تَقَاليد وأَعرَاف الدّول المُتقدِّمَة..!

المُلَاحظَة الثَّانية: أَنَّ مِثل هَذا الاقترَاح؛ يَدخُل فِي بَاب تَوَارد الخَواطِر، ومِن المُمكن أَنْ يَقترحه أَي شَخص، لأنَّه اقترَاح تَقليدي بَديهي، مِثل أَنْ تَقتَرح عَلَى كَاتِب؛ أَنْ يَجمَع مَقَالَاته فِي كِتَاب، أَو أَنْ يَكتُب سِيرته الذَّاتيّة فِي صَفحَات..!

ثَالِث هَذه المُلَاحَظَات: أَنَّ المُطاَلبَة بهَذَه الفِكرَة قَديمَة جِدًّا، وقَد طُرِحَت مُنذ أَكثَر مِن خَمسِين سَنَة، ولَو رَجعنَا إلَى كِتَابَات الروَّاد، مِثل: أحمد السباعي، وعبدالله بن خميس، وعبدالكريم الجهيمان، وأحمد عبدالغفور عطّار، ومحمد حسن عوّاد... وغَيرهم، لوَجدنَا أَنَّهم -جَميعاً- طَالبوا بمِثل هَذا الطَّلَب..!

ورَابِع المُلَاحَظَات: أَنَّ الثَّقَافَة اعتُمدت فِي رُؤية 2030، وفق أَدقّ وأَعلَى المَعَايير العَالميَّة، ولَم تُصَغ أَو تُستَحدَث بُنَاءً عَلَى مُطَالبات الكُتَّاب، بمَعنَى أَنَّ الرّؤيَة -لحُسن الحَظّ- لَم تَلتَفت لكِتَابَات ومُطَالبَات الكُتّاب..!

أَمَّا خَامس هَذه المُلاحظَات وآخرهَا: أَنَّ بَعض المُثقَّفين طَاروا فَرحاً بإنشَاء هَذه الوزَارَة، لأَنَّهم يَتصوّرون أَنَّ الوزَارَة ستَهتم -فَقَط- بالثَّقَافَة التَّقليديَّة التي يَفهمونهَا، والتي تَتمثَّل فِي قَصيدَة لـ»الأعشى»، وكِتَاب لـ»الجاحظ»، ومَا عَلِمُوا أَنَّ الثَّقَافَة التي نَصَّت عَليهَا رُؤية 2030، لَيسَت الثَّقَافَة الكلَاسيكيَّة القَديمَة، وإنَّمَا المَقصُود بالثَّقَافَة، هَذا الفَضَاء الكَبير الذي يَشمَل الكِتَاب واللّوحَة، والمَعزوفَة والصّورَة، والمَنحوتَات والمَنسُوجَات، والسيَاحة والآثَار، وامتصَاص واستلهَام المَاضي، وضَخّهمَا فِي أَنَابيب الحَاضِر والمُستقبَل، ودَمج الأَصَالَة والمُعَاصَرَة وتَرحيلهمَا إلَى المُستقبَل، برُؤيَة أَخَّاذَة، تَخضع لشرُوط التَّغيير وقَانون الاحتيَاج..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: لَم تَعُد الثَّقَافَة مُجرّد كِتَاب يُقرأ، ولَا مَكتبَة تُنشَأ، بَل هي مَجمُوعَة أَفعَال وإبدَاعَات وأَعمَال، تَبدَأ بكِتَابة القَصيدَة، وتَنتَهي بعَزف مُنفَرد عَلَى مَسرَح الأُوبرَا..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store