Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

إحباط الكفاءات الوطنية

يبدو لي الأمر ليس مجرّد قصةٍ شخصيةٍ عابرة تَداولَها الناس، ودعا من خلالها الطبيب الاستشاري إلـى عدم السّماح لأحد "أن يحدّد سقف طموحاتك" -كما جاء في تغريدته- لكنها إشارةٌ واضحة إلـى بيئةٍ غيـر صحية بأنظمة جامدة قد تتسبب في تأخير الحقوق، وتعطيلِ الكفاءات، ودفنِ العقول، وطرد المُبدعين في كافة المجالات وليس الطبية منها فحسب.

A A
تداولَتْ مواقع التواصل الاجتماعي خبراً نشرَتْهُ صحيفة «سبق» الإلكترونية الأسبوع الماضي، يحكي قصة نجاح أحد الأطباء الاستشاريين الذين درسوا تخصّصاتهم الطبية الدقيقة في فرنسا، ومواجهتهِ صعوبات مهْنية في حياته الدراسية العملية، كان منها نصيحة رئيس لجنة التوظيف بإحدى الجامعات السعودية: «هذا التخصص صعب عليك ومستواك ومعدّلك لا يؤهلك للاستمرار به»!! -كما جاء في الخبـر- ثم إصراره على مواصلة دراسته في ذات التخصّص ونجاحه فيه بفرنسا، ومفاجأته بعد عدة سنوات باتصال المسؤول نفسه، يطلبهُ شخصياً لعلاج أحدِ أقاربه، نظراً لمهارتهِ في تخصصه.

من المهم في رأيي النظر بعمقٍ في هذه القصة، التي لا أشك في تكررها مراتٍ كثيرة في مُجتمعات ناشئة ما زالت تـُحاول تلمّس طريقها في تقييم الكفاءات ورصْد بوادر الإبداع، وتسعى لتنمية القدْرات والمواهب الفردية والجماعية، وتجنّب طبع نُسخٍ مُتكررة في بيئة التعليم بعيداً عن الفروقات الشخصية، وتُواجِه صعوبات مُزمنة وتحدّيات مَصيـرية في وضع أنظمةٍ إدارية وتدريبية تضمنُ انحسار الرؤية الشخصية القاصرة عن مُقدّرات الأفراد، وتجنّب ضياع المستقبل المهني نتيجة شخصٍ أو أشخاص يتحكّمون بشكل واسعٍ في مصائر عدد من الشباب المُتميّزين عن طريق إطلاق الأحكام المُتسرّعة عليهم، في ظلّ قصور مؤسسات تعليمية في تبني أنظمةٍ ترتقي بالكفاءات والمواهب والعقول الوطنية.

يبدو لي الأمر ليس مجرّد قصةٍ شخصيةٍ عابرة تَداولَها الناس، ودعا من خلالها الطبيب الاستشاري إلـى عدم السّماح لأحد «أن يحدّد سقف طموحاتك» -كما جاء في تغريدته- لكنها إشارةٌ واضحة إلـى بيئةٍ غيـر صحية بأنظمة جامدة قد تتسبب في تأخير الحقوق، وتعطيلِ الكفاءات، ودفنِ العقول، وطرد المُبدعين في كافة المجالات وليس الطبية منها فحسب، فالطّموح والموهبة والإصرار، وإن كانت شروطاً مُسبقة يجب أن يتحلّى به الشخص، إلا أنها لا تكفي للتقدّم والإبداع والوصول للغايات، حتى وإن بدا الأمر كذلك في بعض الحالات النادرة، وهذا ما فهمَتْهُ وطبّقتهُ المُجتمعات المتقدمة علمياً وفكرياً، فغرَست في النشء حبّ الاستطلاع والتساؤل والبحث في الظواهر المألوفة، ومراجعة الأفكار ونقدِها، وشجّعتهم على الابتكار والخروج عن النّمطية والتقليد، ضمن منظومة توفّر مُستويات مُتقدّمة من الرفاهية الفكرية والعدالة الاجتماعية والفُرص المُتكافئة، ودعْم المُبدعين وأصحاب الصّعوبات التعليمية، من دون فرض رأي مسؤولٍ أو فردٍ مُتحكِّم، ومن غير اعتبارات مزاجية أو معايير شخصية مُتحيّزة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store