Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

ترامب يربح الرهان

A A
طبيعي ومفهوم أن يتراجع اهتمام الإنسان العربي بما يجري خارج عالمنا العربي، بينما تكافح دول ما يُسمَّى بـ(الربيع العربي) من أجل فرصة بقاء، أو حتى نصف بقاء، أو ربع بقاء. لكن ما ليس طبيعياً، هو أن تظل الحسابات العربية دون أدنى تغيير بينما يتغيَّر المسرح الدولي برمته، دون أن نجد مِنَّا مَن يرصد اتجاهات التغيير ولا سرعته، ولا موقعنا منه.

الحريق العربي الذي اندلعت شرارته الأولى من تونس أواخر العام ٢٠١٠، لتعصف لاحقاً بمصر وليبيا وسوريا واليمن، لم تخمد نيرانه بعد، لكن العالم من حولنا راح يتغيَّر بشكل جوهري، سواء على مستوى المبادئ، أو على مستوى الأدوات. خرائط المصالح من حولنا تتغيَّر، وخرائط التحالفات تتبدَّل تبعاً لتبدُّل المصالح، دون أن يبدو أننا استشعرنا التغيير وتجاوبنا مع متطلباته.

في خضم حوادث (الحريق العربي) غيَّرت روسيا خريطتها، بضم شبه جزيرة القرم بالقوة تارة، وبالسياسة تارةً أخرى، ما أتاح لأسطولها في البحر الأسود إمكانية العودة إلى الحياة والتأثير مجدداً في موازين القوة العسكرية فوق المسرح الدولي على اتساعه. حدود الدور العسكري والحضور البحري لروسيا في سوريا، وفي شرق المتوسط بصفةٍ خاصة، ما كان يمكن أن تشهد هذا التمدُّد لولا سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم، بكل توابعها وتداعياتها.

ردَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا، على ما جرى في القرم، عام ٢٠١٤ بطرد روسيا من مجموعة الثمانية الكبار، لتصبح (مجموعة السبعة الكبار) وبمقاطعة دورة ألعاب سوتشي التي كانت روسيا قد أنفقت الكثير من أجل استضافتها.

قبل أيام في كويبك بكندا، اجتمع قادة مجموعة الدول السبع الكبار (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، كندا)، لينتهي الاجتماع بمغادرة الرئيس الأمريكي ترامب للقمة، بعد خلافات جوهرية فجَّرها مع قادة دول المجموعة، تمحورت حول مطالبته بإعادة روسيا إلى المجموعة من جهة، وكذلك حول سياسات حمائية فرضتها بلاده على التجارة مع دول المجموعة، وغيرها من دول العالم.

مجموعة الثمانية التي أصبحت مجموعة السبعة، بطرد روسيا، باتت بعد قمتها الأخيرة، مجموعة (الستة) بعدما حمل بيانها الختامي توقيعات ست دول فقط إثر انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب من القمة، ورفضه التوقيع على بيانها.

ترامب يُغيِّر خارطة العلاقات الدولية بالكامل منذ دخوله إلى البيت الأبيض في يناير من العام الماضي، فهو قد أعلن انسحاب بلاده من مجموعة دول آسيا والباسيفيكي (إيبك)، وهو قد جمَّد عضوية بلاده في مجموعة دول أمريكا الشمالية (نافتا)، ثم هو أخيراً قد غادر قمة الدول السبع الكبرى في كويبك، رافضاً التوقيع على بيان اعتبره لا يتوافق مع أفكاره.

إجراءات ترامب الحمائية، تحت شعار أمريكا أولاً، تلقي بالعالم في خضم حرب تجارية، قد تنعكس آثارها على كافة الدول دون استثناء، وتحرم خطاب العلاقات الدولية من مسحة رومانسية نشرتها الولايات المتحدة ذاتها في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وترجمها مشروع مارشال لضخ مقومات الرخاء في غرب أوروبا.

تأثير الولايات المتحدة في خطاب العلاقات الدولية، قد يكون الأكبر على الإطلاق منذ فجر التاريخ، لكن هذا التأثير ارتبط دوماً بخطاب ذي مسحة إنسانية، تتغنَّى بالدفاع عن الحريات، وعن حقوق الإنسان حول العالم. لكن ثمَّة تحوُّلا مع سياسات ترامب وخطابه الصريح والمباشر عن أن دور المبادئ هو حماية المصالح وليس العكس، وأن المبادئ التي لا تعنى بحماية المصالح المباشرة للدولة، مكانها في سلة مهملات التاريخ.

ترامب قد يكون نقطة تحوُّل ليس في التاريخ الأمريكي فحسب، وإنما في مستقبل العلاقات الدولية، وطبيعة النظام الدولي الجديد، الذي يستعيد مفردات السياسة بعد عصر الكشوف الجغرافية، لكنه أيضاً قد يكون مجرد استراحة صاخبة وسط رواية متعددة الفصول، لكنني أُرجِّح أن يصبح ترامب القادم من حقول البيزنس، نقطة تحوُّل في العلاقات الدولية كلها، يعلي من شأن الأرباح المباشرة والسريعة، بغض النظر عن الإستراتيجيات، التي قد يرى أن بعضها عتيق، وبعضها مكلف دون عائد سريع ومضمون، فما حققته سياسات ترامب من فرص وظيفية، وعوائد تصدير خلال سبعة عشر شهراً منذ توليه الرئاسة، يُمثِّل قفزة حقيقية في أداء الاقتصاد الأمريكي، قد تكون كافية إن استمرت، أن تضمن مدة رئاسية ثانية لترامب، الذي راهن كثيرون على أنه لن يُكمل مدته الرئاسية الأولى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store