Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

مسلسلات هابطة

A A
لن أتطرَّق إلى مُسلسلٍ سعودي بعينه، ولن أتدخل في رؤية القصة والقضايا التي ناقشها، أو في ما أثارته المنتجات الفنية السعودية الرمضانية على مدى السنوات الماضية من جدلٍ ولغط، لكني أنطلق في انتقادي من وجهة نظر مُشاهدٍ عادي، يتطلّع إلى احترام عقله ومراعاة تطوّر مستوى فكره، وارتفاع ذائقته الفنية، في عصر فني لا يحتمل إعادة اختراع العجلة، بل تتنافس فيهِ القنوات والبرامج والمُسلسلات والأفلام العربية والأجنبية على خطْب ودّ المُشاهدين، وجذْب اهتمامهم، ومراعاةِ أمزجتهم الفنية.

من المعلوم تأخّر الدراما السعودية عقودًا نتيجة ظروفٍ عدة، اجتماعية وفكرية.. وغيرها، تسببت في كبْح جِماح الانطلاقة الفنية للمجتمع السعودي، وتعطيل الإبداع في الفنون الجميلة بشكلٍ عام، وحرمان الكفاءات الفنية من التعبير عن إمكانياتها وطاقاتها في مجالات التمثيل والغناء، والتأليف والتصوير وغيرها، لكن من الواضح خلال السنوات الـماضية، اضطلاع عددٍ من المؤسسات والإمبراطوريات الإعلامية السعودية بالاستثمار في منتجات فنية سعودية معروفة، لم تكن بالمستوى المطلوب، بل خيّبَت آمال كثيرٍ من المُتابعين، نتيجة سخافة الفكرة، وتكرّر الشخصيات، وهزالة الأداء، وضعف السيناريو وبلادة الحوار، وركاكة المشاهد، والإسهاب في المُحاورة المُملة دون إضافة معتبرة، وتضييع الوقت في إطالة المَشاهد السّطحية، فضلا عن التهريج المُنفّر، والقفشات الهابطة، والمواقف ضعيفة الحبكة، بالرغم من رصْدها الأموال الطائلة والإمكانات التقنية الهائلة، التي كان من الممكن استثمارها في وجوهٍ جديدة وشخصيات مُبتكرة ودروس تمثيلية مُعتبَرة للمؤدّين الهُواة، للارتقاء بأدائهم إلى مصاف الـممثلين المُحترِفيـن، مما جعل تلك المُنتجات الفنية تدخل ضمن نطاق «الهدْر المالي».

وعلى الرغم من الحِراك الحديث الذي يشهده المجال الفني في المجتمع السعودي، ما زال الخمول يسودُه بشكل مخجل يصعُب تبريره، حيث تتكرّر الوجوه الفنية نفسها لسنوات مُتواترة، بأداءٍ لا يخلو من الجُمود والرتابة والسّماجة دون تجديد ولا تطوير، مما يُمثِّل تحدّيا خاصاً يُواجهُه المجال الفني السعودي، وهو أن تحوز مُنتجاته الدرامية على رضا المُشاهدين واحترامهم والفوز بشغف مُتابعتها، لا امتعاضِهم ومَللهم، ورفع أصواتهم بالغبطة والهتاف والابتهاج والتشجيع، لا الاستهجان والاستياء، فمن المُفترض أن يكون الإنتاج الفني، صورةً صادقة عن التنوّع الحضاري والثقافي، والتطوّر الفكري والتاريخ الوطني، ومظهرًا من مظاهر الارتقاء بالذوق العام، والحسّ الفني للأفراد، ومساهمةً فعالة في ترسيخ المفاهيم الصحيحة، وتكريس الـمعاني السامية النبيلة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store