Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين الأمير والقرصان.. من يكتب بدمه؟!

بين الأمير والقرصان.. من يكتب بدمه؟!

الأيام الماضية أهدي إليّ كتابين؛ الأول بعنوان: «قيل.. ورددت» للكاتب السعودي سعد بن محمد، والآخر بعنوان: «إلى كاراكاس.. بلا عودة» للكاتب الصومالي محمد ديريه.

A A
الأيام الماضية أهدي إليّ كتابين؛ الأول بعنوان: «قيل.. ورددت» للكاتب السعودي سعد بن محمد، والآخر بعنوان: «إلى كاراكاس.. بلا عودة» للكاتب الصومالي محمد ديريه.
«قيل.. ورددت» من إصدارات المركز الثقافي العربي، وقد ازدان بتقديم وزير الثقافة والإعلام، الكتاب سحرني بأناقته وتصميمه المدهش، وإخراجه الفاتن، لم يكن إخراجه تقليديًّا ككتبنا الصفراء الكالحة، وإنما بلغ من البذاخة مبلغًا عظيمًا، وأهدي معه نوته فاخرة لكتابة الاقتباسات والعبارات العظيمة من ذلك الكتاب، هذه الإغراءات جعلتني أبدأ بقراءته.
جاء الكتاب في 400 صفحة تقريبًا، وهو عبارة عن نصوص ترد على نصوص وأسئلة، فأحضرت النوتة لكي أسجل ما يستوقفني من عبارات، ثم شرعت في القراءة، ومن ثقل الكتاب أسندته إلى الأرض.
أخذت أطوي الصفحات تلو الصفحات حتى ختمت الكتاب؛ وفي النهاية بقيت النوتة الفاخرة بيضاء، فلم أدون فيها معلومة تستوقفني، أو حكمة تأسرني، أو تجربة تثريني!
...
أما كتاب «إلى كاراكاس.. بلا عودة» فكان من إصدارات دار مدارك، وبتقديم الحسن الحازمي صديق الكاتب حيث وصف المؤلف بقوله: «بقايا نحيل كروح الأبنوس، نصف رصين، ونصف آخر يعلمه الله، شجي الحديث، قامته متحفزة دائمًا للمبارزة، يتوكأ في شموخه على وطن»!
ثم وصف الكتاب بقوله: «كتاب منوع منفعل، مليء بالحياة، يشبه الذاكرة».
صفحة الإهداء حكاية من الوفاء: «إلى أمي التي رافقتني سنين الرمد.. إلى وطني البعيد.. إلى أصدقائي من الخليج إلى المحيط».
كل سطر في الكتاب يستوقفك، يتحدث ديريه في الكتاب عن تفاصيل حياة ووطن بديل، يعيش تفاصيله، يهوى جبال وبحاره وسواحله وهضابه وصحاريه،يفتتن بشعرائه وأناسه والأصدقاء المتناثرين في أصقاعه، وفي ذات الوقت يتحدث عن الصقيع والغربة ولا ينسى وطنه الأم الذي يعيش ويلات الحروب والمجاعات والنزاعات والأطماع الخارجية، ويستشهد بمقولة الروائي الصومالي المنفي عن دياره نور الدين فارح حيث يقول: «في الصومال وصلنا لدرجة من اليأس لا يسعنا معها إلا أن نكون متفائلين»!
ديريه لا يحمل وطنه على ظهره كما يقول عن بعض الأدباء، ولكنه يحمل وطنه داخل قلبه، حبًّا له وخوفًا عليه، لهذا من يؤذي وطنه فإنه يؤذي قلبه: «كيف أرى وطني مزورًا في قلوب الآخرين وأخفي لساني؟!»
يقول نيتشه: «أحب فقط ما كتبه الإنسان بدمه»، وهذا الكتاب يتنفس وينبض عندما تقلبه بين يديك والذي بعث فيه الحياة أن صاحبه كتبه بدمه!
والكاتب يدرك معنى أن تؤلف كتابا، يدرك معنى أن يكون لك كتاب لأنه يردد دائما: «الموت مناسب جدًّا في الثلاثين، إذا كنت قد أنجزت كتابًا يحمل أفكارك، وأنجبت طفلًا يملأ مكانك في الملعب، ولم تقتل نفسًا زكية..».
وحتى يكون الأدب حيًا؛ لا بد أن يُغذى بمصدرين:
- المعرفة، وتتفرع منها القراءة.
- التجربة.
« إلى كاراكاس.. لا عودة» يتضح فيه مخزون هائل من المعرفة والتجربة التي سطرها المؤلف الذي لم يتجاوز الثلاثين!
والكتاب دعوة لقراءة الحياة، وعدم الاكتفاء بقراءة الكتب فقط، ديريه زرع فينا فكرة أن نعيد فكرة قراءة الحياة بشكل أفضل، وأن نجعل القراءة التقليدية هي وسيلة مساعدة لقراءة الحياة والكون.
الكتاب يعج بحيوات هائلة جدُّا، بأوطان بائسة وحالمة، بحدود وهجرات، بأفراد وجماعات، أسماء مشهورة، وأخرى مسحوقة، أدباء ومغنيين، فنانين ومناضلين، بمرضى وأصحاء، بروائيات وأفلام ونجوم كرة، عجنت بوفاء وإعجاب، بحزن وفرح، وجمال وفتنة.. محمد علي ديريه، الطبيب والكاتب الصومالي المقيم في قلوب الطيبين، شكرًا لك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store