Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بلجرشي.. كنز السياحة والضباب والماضي العريق

بلجرشي.. كنز السياحة والضباب والماضي العريق

تعد محافظة بلجرشي من أكبر محافظات سراة منطقة الباحة وبوابتها الجنوبية ومركزها التجاري والاقتصادي، فضلا عما تمتلكه من مقومات جذب سياحية ومواقع أثرية جعل منها قبلة للسياح ومزارا للمتنزهين..

A A
تعد محافظة بلجرشي من أكبر محافظات سراة منطقة الباحة وبوابتها الجنوبية ومركزها التجاري والاقتصادي، فضلا عما تمتلكه من مقومات جذب سياحية ومواقع أثرية جعل منها قبلة للسياح ومزارا للمتنزهين.. وما يميز بلجرشي عن باقي المحافظات اطلالتها العريضة على سهول تهامة عبر شريط طولي يمتد اكثر من 160 كلم، اشتهر أهلها بالتجارة والزراعة وصناعة المشغولات اليدوية، وتستقطب أسواقها الحديثة والقديمة المتسوقين من مختلف محافظات المنطقة، الا ان عبق وطابع الأسواق القديمة ما زال محتفظًا بمكانته في قلوب أهلها.
وترتبط بلجرشي بقطاع تهامة عبر عقبتين رئيستين؛ الاولى طريق الملك عبدالله «عقبة حزنة» وهو شريان رئيسي يربط بين بلجرشي والمخواة، والأخرى عقبة الابناء وترتبط بوادي الخيطان ونمرة ساهمت في انعاش الحركة السياحية والاقتصادية والتجارية للمحافظة.

بلجرشي في التاريخ والسير
وتسمية بلجرشي في الاصل ترجع إلى «بني الجرشي» وهي لغة قديمة في جنوب الجزيرة العربية وحرف الباء اختصار لها، ويأتي بلجرشي بمعنى دار السوق وهي بلدة كبيرة تقع في واد فسيح يسمى (وادي سيل) وحول ما يدور عن اصل بلجرشي يقول المؤرخ حمد الجاسر -رحمه الله- بين بلجرشي وجرش التي حدد موقعها الهمزاني فرق شاسع وتباين كبير والقول بان بلجرشي هي جرش هو قول خاطئ ويقول علي السلوك في كتابه المعجم الجغرافي ان بلجرشي هو اسم قبيلة تقع ديارها جنوب بلدة الباحة بمسافة ثلاثين كيلو مترا وبها عدد كبير من القرى وترتفع قرابه 2100م عن سطح البحر وتحيط بها أودية منبسطة وتلفها جبال شاهقه زادتها روعة وجمالا تدل الروايات المتوارثة على ان بلدة بلجرشي نشأت في عهود قديمة جدا تعود الى حقبة ما قبل الاسلام وقد نشأت ونمت فوق تلة تقع الان في وسط المدينة لا تزال ماثلة الى الان، ويقول الدكتور أحمد قشاش بحسب بعض المصادر ان بنو الجرشي نسبه الى عبدالله الاحمر الجرشي وهو القائد الذي كلفه الخليفة هارون الرشيد لإخماد الفتن في جنوب الجزيرة العربية ثم ولاه على منطقة غامد وزهران وكانت بلجرشي مركزه ومقر حكمه.

سوق السبت التاريخي
يعد سوق السبت التاريخي من أكبر أسواق المنطقة الشعبية ولا يزال يحتفظ برونقه التاريخي وطابعه القديم لاكثر من 200 عام وقد كان سوق السبت مقصدا تجاريًا مهما وموقعًا للصلح بين القبائل والخصوم ومقصدا لطلب العلم وموقعًا مهمًا للتبادل التجاري وممرا للحجاج العابرين عبر جبال السروات ذهابًا وإيابًا ولا يزال يعقد في موقعه القديم مطلع كل اسبوع حتى الان، إذ يجتمع فيه الباعة والمشترون رجالا ونساء، يعرضون بضائعهم المصنعة محليًا والمستورد اضافة الى ما تنتجه مزارعهم والمرازع المجاورة وللنساء نصيب من سوق السبت حيث يحضرن لبيع البيض البلدي والحمام والدجاج وبعض الورقيات والغلف.
يقول محمد سلمان: كانت القبائل تقصد السوق سيرا على الاقدام او على دوابهم ويعرضون ما لديهم من منتجات زراعية وادوات الرحث والجنابي والسكاكين وبعض الملبوسات ومصنوعات الخصف وكان الحجاج اليمنيون يقصدون السوق ويبيعون ما لديهم من البن والهيل والحبوب ليعينهم على اتمام فريضة الحج كما كان التجار يفدون اليها بجمالهم المحملة بالبضائع من اسواق الحبشة والسودان والقنفذة والمخواة ويسوقونها في السبت.
ويقول سالم صحفان: كانت للسوق حرمته وهيبته فيمنع الاعتداء على أحد في حرم السوق او اشهار السلاح وحتى الثأر ينتهي داخل السوق، لذا نشأ ما يعرف «بعقادة السوق» وهو اصطلاح كان يقال في السابق لما يعرف حاليا بمجلس إدارة السوق ومن اختصاصهم حل المشكلات التي تحدث في ساحة السوق وخاصة القبلية منها مما أكسب السوق استقرارا دائما وشهرة واسعة ومقصدا لجميع المتبضعين والتجار وعموم ابناء المنطقة والمناطق المجاورة ومراقبة الموازين والمكاييل ومن يخالف تلك الانظمة يعاقب ويشهر به في السوق.

ملتقى القبائل
وأردف صحفان: كانت السوق في الماضي ملتقى للقبائل ووسيلة لنقل الاخبار حيث يصعد من يمتلك موهبة الخطابة والبلاغة على سطح احد الدكاكين وسط السوق تُعرف بـ»البدوة» لالقاء خطبة يبدأ خطبته بالتهليل والتكبير حتى يجتمع الناس ومن ثم يسرد الاحداث والاخبار ويذكر فيها بالتشريعات المنظمة للسوق والعقوبات الرادعة لمن يخالفها، واضاف ان لكل نوع من البضائع قسما وخانة في السوق فهناك «المسعارة» لكل انواع الحبوب وما يباع بالكيل وآخر للنجارة، وقسم ثالث لبيع آلات والجانبي والهراوات ومعدات الزراعة، وقسم لبيع السمن والعسل، وقسم اخر للحطب، وخصص موقع لبيع المفارش الصوفية، وآخر لبيع الخضار والفاكهة ومكان لبيع المواشي.
وأشهر ما يباع الان في السوق الحبوب بأنواعها والعسل والسمن والريحان والكادي والطيور بأنواعها والغلف الذي يجلب من صدور جبال تهامة والبن والهيل والبهارات والقطران المستخرج من شجر العتم «الزيتون البري» وبعض الصناعات اليدوية والملبوسات النسائية والمشغولات اليدوية والبخور.
ومن أبرز ما تنتجه مزارع بلجرشي اللوز والمشمش والخوخ والتفاح والليمون وانواع اخرى من الخضروات والقمح والشعير والرمان والعنب كما يشتهر اهلها بانتاج وبيع العسل لذا تم تاسيس جمعية للنحالين تنظم مهرجانا دوليا تشارك فيه اكثر من خمسين دولة ومعرضا مصاحبا للمهرجان يضم معرضا للتسوق والترفيه.

المواقع الأثرية
تكتنز بلجرشي العديد من المواقع التاريخية والحصون القلاع ومن ابرزها حصون قرية المصنعة المحاطة باكثر من عشرة حصون من جميع جهاتها بهدف حمايتها من اختراق الاعداء اضافة الى تخزين المواد الغذائية كما يستفاد منها كمراصد فلكية لتحديد موسم الزراعه والحصاد.
ومن بين معالم بلجرشي توجد قرية لقمان، وقد سميت بهذا الاسم نسبة الى لقمان الحكيم والذي يعتقد اهالي القرية ان لقمان الحكيم دفن فيها، وذكر محمد الحزنوي من اهالي قرية لقمان ان القبر كان في الماضي عبارة عن ضريح له بابان احدهما للدخول واخر للخروج مظنة ان صاحب القبر قد ينفع او يضر وكان يقصده الناس للتبرك وطلب الرزق حتى ازيلت في العهد السعودي وسوي القبر بالارض، واشار الحزنوي الى انه ينبغى على الباحثين والمهتمين في علم الاثار التاكد من حقيقة صاحب القبر ما اذا كان للقمان الحكيم ام لشخص اخر يحمل ذات الاسم.

جبل حزنة
احد معالم بلجرشي الطبيعية ويعد اعلى قمة جبيلة بسراة الباحة ويرتفع عن سطح البحر قرابة 2364م.. يتميز الجبل بتكوينات صخرية كبيرة وارتفاعه الشاهق اضافة الى تنوع النباتات والاشجار ويكثر فيه اشجار العرعر وقد قامت بلدية بلجرشي بتتويج قمة الجبل بانارة مضيئة على شكل عقود تشاهد من انحاء مختلفة من المحافظة، ذكره يعلى بن مسلم الأحول الأزدي في شعره حين امر بحسبه عبدالملك بن مروان وقد كان لصًا فاتكًا، وخليعًا يجمع صعاليك الأزد وخلعاءهم، فيغير بهم على أحياء العرب، ويقطع الطريق على السابلة، فشكى إلى نافع بن علقمة بن محرث الكناني والي مكة وهو خال مروان بن عبدالملك، فأخذ به عشيرته الأزديين، فلم ينفعه ذلك واجتمع إليها شيوخ الحي، فعرفوه أنه خليع قد تبرؤوا منه ومن جرائره إلى العرب، وأنه لو أخذ به سائر الأزد ما وضع يده في أيديهم فلم يقبل ذلك منهم، وألزمهم إحضاره، وضم إليهم شرطًا يطلبونه إذا طرق الحي يجيئونه به، فلما اشتد عليهم في أمره طلبوه حتى وجدوه، فأتوه به فقيده وأودعه الحبس، فكان مما قال في شعره:
أرقت لبرق دونه شدوان.. يمان وأهوى البرق كل يماني
فبت لدى البيت الحرام أخيله.. ومطواي من شوق له أرقان
فياليت لي من ماء حزنة شربة.. مبردة باتت على الطهيان

عقبة حميدة
هي احدى الطرق القديمة المرصوفة والمبينة من حجار الجرانيت بطريقة هندسية فريدة من نوعها تدل على عزيمة الرجال ودقة التخطيط الهندسي والمعماري في تلك العصور لتربط محافظة بلجرشي بالمخواة اسفل تهامة وسميت هذه العقبة نسبة الى قرية حميدة التاريخية اسفلها ولم يعرف للعقبة تاريخ معين وقد شوهد على ضخورها نقوش صخرية تعود الى الاف السنين وذكر عبدالعزيز مريسل من اهالي المدان ببلجرشي ان العقبة تمتد من شفا قرية المدان نزولا قرية حميدة ومن ثم للمخواة وقال ان الطريق كانت تعبرها قوافل الحجاج والتجار القادمين من الحبشة والسودان عبر مرفأ القنفذة كما استخدمها الاتراك قبل العهد السعودي لمحاولة اختراق بلجرشي كونها مركزا تجاريا مهما، واضاف مريسل: يوجد في منتصف الطريق صخرة كبيرة مجوفة تتسع لقرابة 20 رجلا برواحلهم ومتاعهم تسمى «ركبة الجمل» يخلدون فيها للراحة من عناء الطريق كما ان الطريق اختير بعناية فائقة كونه من اقصر الطرق الموصلة لتهامة اضافة الى سهولة منحدراته، وأوضح مريسل ان الطريق يتسع لشخصين برواحلهما وله رصيف جانبي يرتفع قرابة المتر الى متر وربع لحماية عابريها من السقوط مشيرا الى انها اليوم تعاني الاهمال ومدخلها اصبح مرمى للنفايات وينبغى اعادة ترميمها واستثمارها سياحيا وتجاريا فضلا عن انها تفتقر للوحات الارشادية الدالة على موقعها.

السياحة والمتنزهات
يشكل الطريق السياحي نقلة نوعية في مجال التنمية السياحية ويخترق عدة قرى مطلة على الشريط التهامي، وقد زودت بعدد من المظلات ويبلغ طولة 40 كلم وبعرض 20 مترا اضافة الى حديقة ام غيث التي تتميز بإطلاله مباشرة على سهول تهامة، وقد زودت بكل المرافق الخدمية وملاهي الاطفال إضافة الى المسطحات الخضراء.
وفي ظل التوجه الرائد لسمو امير منطقة الباحة بصناعة السياحة وجعلها احد اهم الموارد الاقتصادية للمنطقة ولما تتمتع به المنطقة من طبيعة ساحرة واجواء معتدلة حظيت الغابات والمتنزهات باهتمام بالغ ويزيد الاستعداد لتوفير كل الخدمات قبل موسم الصيف من كل عام، ومن اشهر متنزهات بلجرشي متنزه القمع، وهو من أهم واكبر الغابات في المنطقة تطل على سهول تهامة من ارتفاع يزيد على (1800) عن سطح البحر وقد تم تزويدها بكل الخدمات التي يحتاجها الزائر والمتمثلة في بناء الجلسات وتزويدها بالمظلات وإقامة الحواجز على المطلات وتظليلها والعاب للاطفال وجلسات عائلية واخرى شبابية ومطاعم اضافة الى العربات المعلقة «مشروع التلفريك» والذي يربط المتنزه بوادي الخيطان قعر تهامة إلا أنه يحتاج الى إعادة تأهيل واستغلال موقعه الحيوي في بناء منتجعات سياحية ومطاعم فاخرة وجلسات عائلية ومراكز ترفيهية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store