Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تبصير المريض بمخاطر العلاج 2-2

تبصير المريض بمخاطر العلاج 2-2

تبين لنا في المقال السابق أن تبصير المريض بالمخاطر المتوقعة من العمل الطبي واجبٌ على الطبيب، غير أن المخاطر المتوقعة تثير إشكالين، الأول أن مدارك المريض في كثير من الأحيان تتقاصر عن فهم طبيعة المخا

A A

تبين لنا في المقال السابق أن تبصير المريض بالمخاطر المتوقعة من العمل الطبي واجبٌ على الطبيب، غير أن المخاطر المتوقعة تثير إشكالين، الأول أن مدارك المريض في كثير من الأحيان تتقاصر عن فهم طبيعة المخاطر، وبالتالي قد يتخذ قراراً غير صائب، استناداً على فهمٍ قاصر، والثاني أن حالة المريض وما يعانيه من آلام قد تستدعي ألا أن يُـخبَر بالمخاطر، فالجواب عن الإشكال الأول هو أن مسئولية الطبيب تقتضي أن يُبسِّط له المعلومات لتكون واضحة له، وهو أمر ممكن ما دام المريض كامل الوَعْي، وأما الإشكال الثاني، فالجواب عنه أن نتذكَّر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخلتم على مريضٍ، فنفِّسُّوا له في أجله، فإن ذلك لا يَردُّ قضاء الله، ويطيِّبُ نفسه) فمقتضى ذلك أن الطبيب ملزم بالاخذ بالحيطة والحذر في طريقة إيصال المعلومات إلى المريض بالتدريج، ثم إن الطبيب لا يقف التزامه بالتبصير عند حدِّ المخاطر المتوقعة، بل يشمل أيضاً تبصيره بأنظمة المراكز الطبية وتجهيزاتها وبدائل العلاج، فمعصوميَّة جسد المريض تفرض له حقَّاً في أن يُبصَّر بكل شيء يمكن أن يتعرض له، فالرضا يعتبر حقاً من الحقوق الخاصة بالمريض، وإغفال بعض المعلومات من شأنه أن يقدح في صحة الرضا بالعمل الطبي، وقد استطاع الطب أن يقف على عدة وسائل في معالجة كثير من الأمراض، فهناك عملياتٌ تُجْرَى بالجراحة الطبية، ويمكن ان تتم كذلك بالأشعة، وهناك من الأمراض ما يمكن أن تعالَـج بالأدوية والعقاقير ويمكن علاجها بالجراحة، فمن أجل ذلك يجب على الطبيب أن يَدلَّ المريض على طرق العلاج البديلة وأن يبصره بطبيعة العلاج لكل نوع، فيحيطه علماً بشدة الألم الذي قد يصيبه والمدة الزمنية التي تستغرقها كل طريقة، والآثار الجانبية المتوقعة بسبب كل طريقة وكل معلومة من شأنها أن تفيد المريض في اتخاذ قرار الإذن بالعلاج، فيخبرُ الطبيبُ المريضَ بالمعلومات التي من شأنها أن تجعل لديه تصوراً صحيحا عن حالته المرضية بحيث يستطيع -استناداً إليها- أن يقرر قبوله للعمل الطبي أو يقرر رفض ذلك، وهذا النوع من التبصير تقتضيه كثرةُ المآسي التي تقع في المراكز الطبية، والتي يعود سببها إلى عدم معرفة المريض للبدائل في العلاج، خصوصا إذا وُجِدَ نقص في التجهيزات الطبية وسوء استعمالها، ومن أجل ذلك وضعت جمعية الأطباء الدولية إعلاناً عن حقوق المريض ودَعَتْ الحكومات في مجال حق المريض في الحصول على التبصير إلى (أن تلفت نظر الأطباء أن للمرضى الحق إذا رغبوا في ذلك أن يحاطوا علماً عند دخولهم المستشفى باللوائح والإدارة والفرق الطبية الموجودة) بل إن من حق المريض كذلك أن يعرف الطبيبَ المشرف على علاجه وأن يعرف مستوى المساعدين وكفاءتهم كما أن من حقه أن يختار المكان المناسب للإقامة فيه داخل المستشفى قبل إجراء العقد، وكلُّ هذه الحقوق نصَّ عليها الفقهاء، بل نصُّوا على بطلان العقد الطبي إذا لم يَنُصَّ عليها، إذا تبين ذلك فإن تحديد مفهوم هذا الالتزام يكون أمراً متعيناً، فما هو الضابط الذي به تتميز المخاطر المتوقعة من النادرة؟ الجواب أن هذا أمرٌ ليس خاصاً بإنسان بعينه، بل العبرة في ذلك أن يكون الشخصُ الاعتيادي يمكن أن يتخذ القرار في نفس الظروف وبنفس القدر من المعلومات، فجميع الآثار الضارة على صحة المريض التي يمكن حدوثها في أمثال نوع بعينه من أنواع العلاج أو الجراحة الطبية تعتبر آثاراً متوقعة، وشرط ذلك أن يكون توقُّعُ حصول المخاطر موافقاً للقواعد والأصول الطبية المعتبرة، فيَصفُ الطبيبُ قَدْرَ الألَـمِ المتوقَّع حصوله بسبب إجراء العملية، والمدة التي تستغرقها العملية، والتشوُّهات التي قد تنتج عن إجرائها، وفترة النقاهة التي يحتاجها المريض للبقاء على السرير، ثم يخبره بما قد يترتب على الجراحة من آثار ضرورية كضرورة إجراء جراحة أخرى تكميليَّةً للجراحة الأولى، أما النادرة التي لا يلزم أنْ يشرحها الطبيبُ للمريض، فقد ذكر الأطباءُ أمثلة لها، كاحتمال حصول إغماءةٍ مميتة بسبب التخدير، فهذا الاحتمال نادر الحدوث ولا يلتفت إليه الأطباء، ومن الأمثلة المتعلقة بحالة الولادة أن يخبر الطبيبُ المرأةَ الحامل المشرفةَ على الولادة أن اثنتين في الألف من الحوامل يَمُتْنَ أثناء الولادة، فجميع هذه الصور نادرة الوقوع وأحكام الشريعة الاسلامية ليست منوطةً بالنوادر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store