Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

فوضى تويتر !

فوضى تويتر !

عاش الكثير من بلدان العالم مرحلة طويلة من الاستبداد وتكميم الآذان والأعين والأفواه، حيث كان يتم التشويش على الإذاعات المسموعة، وحجبت الصحافة المقروءة، ولم يدخل في تلك البلاد إلاّ النزر اليسير من ال

A A

عاش الكثير من بلدان العالم مرحلة طويلة من الاستبداد وتكميم الآذان والأعين والأفواه، حيث كان يتم التشويش على الإذاعات المسموعة، وحجبت الصحافة المقروءة، ولم يدخل في تلك البلاد إلاّ النزر اليسير من الجرائد والمجلات، وفي أحيان كثيرة يتم منع بعض الأعداد، أو تمزيق بعض صفحاتها، ولم يكن هناك قنوات تلفزيونية عابرة للحدود، وإنّما هي بعض القنوات المحلية، وفي السواحل هناك بث ضعيف لقنوات الدول المجاورة.
وخلال العقدين الأخيرين دخل علينا ثلاث وسائل للاتصالات وتقنية المعلومات، فأولاً دخل البث الفضائي خلال حرب تحرير الكويت عبر تركيب الدشوش الكبيرة فوق البيوت لمشاهدة قناة سي إن إن، ثم توالت القنوات عبر قمر العرب سات، حيث بلغت أربعمئة قناة، وعبر قمر النايل سات، حيث بلغت ستمئة قناة، وثانيًا دخلت الجوالات الهاتفية التي كانت خاصة بالاتصال الصوتي والرسائل النصية القصيرة قبل أن يصل الحال إلى الجوالات الذكية الحديثة التي جمعت بين الاتصالات والإنترنت والفضائيات، وثالثًا دخل الإنترنت عبر الخطوط الأرضية، وبشكل بطيء إلى أن صار الإنترنت اليوم متاحًا للغالبية، وبسعر منافس عبر الخطوط الأرضية والهوائية والجوالات الذكية.
وبعد هذه المقدمة أعلاه في عرض الواقع في أقل من ربع قرن يتّضح البون الشاسع بين انغلاق المرحلة السابقة، وانفتاح المرحلة الحالية، ممّا يعني أن المجتمع المنغلق ذاتيًّا، والمغلق بأدوات الأمس قد تحرر وبشكل يمكن اعتباره في حكم الانفجار في حرية التلقي وحرية التعبير، ويعتبر ثورة فكرية ومعلوماتية لا بد أن تؤثر في توازن المجتمعات التي كانت منغلقة ومغلقة بالأمس، ولذا نلاحظ كيف أصبحت خطوط الجوال لدينا بمستوى مضاعف لعدد السكان، وكذلك النمو السريع لمشتركي الإنترنت، وكمية الجوالات الذكية التي يحوزها العرب عمومًا، والخليجيون خصوصًا، وما تبع ذلك من انفتاح متسارع في المشاهدة للقنوات الفضائية، والإذاعات السمعية، والصحف الإلكترونية، وملايين المواقع التقنية، وأخيرًا خلال السنوات الخمس المنصرمة انتقل الناس إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث الفيسبوك، والتويتر، واليوتيوب، وكان لها الأثر في الربيع العربي؛ ممّا يؤكد الدور الكبير والخطير لوسائل الاتصالات وتقنية المعلومات على السياسة والثقافة على حد سواء.
ولكن ممّا يلاحظه الراصد على هذا الواقع أننا انتقلنا من حرية التكميم السياسي إلى حرية الفوضى التقنية، وفرق بين حرية الرأي، وبين حرية الفوضى التي تعتدي على الحقوق الخاصة والعامة، وتفسد مصالح العباد والبلاد، ولذا فلو أخذنا تويتر كنموذج على الحرية لوجدناه أكبر شاهد على الحرية غير المنضبطة تجاه الوطن والمواطنين، فمن السهولة أن يدخل أي شخص بحساب في تويتر، سواء باسمه الحقيقي أو المستعار، وربما انتحل شخصية الغير، وبدأ بالاعتداء على الكبير والصغير، والرجل والمرأة، ويكيل التهم والأكاذيب، ويثير الفتن والقلاقل، وكل هذا يعني وجود مشكلتين رئيستين، الأولى مشكلة متعلقة بالدولة، حيث قصرت السلطة التشريعية في وضع القوانين الكافية لمعالجة هذا الأمر بما يجلب مصالح التقنية، ويدرأ مفاسدها دون تقييد غير عادل للحريات، ولا إطلاق فوضوي للحريات، وإنما بضوابط تكفل حقوق الجميع، كما قصرت السلطة التنفيذية بعدم تنفيذها للقوانين الموجودة خصوصًا في الرصد، والمتابعة، والبحث، والتحرّي، والضبط، والتفتيش، بما فيه سلطة النائب العام في التحقيق والادّعاء العام، وأمّا السلطة القضائية فإنني لا أحمّلها أي مسؤولية لكونها جهة مستقبلة للقضايا، وليست قابضة، ولا محرّكة للدعاوى، وكل قضية تُحال إليها فإنها تنهيها بالشكل الشرعي والقانوني، وأهم خطوة يجب المبادرة بها هي إنشاء مركز وطني لمكافحة الجرائم الإلكترونية، يكون تابعًا لوزارة الداخلية، بحيث يقوم بتحويل ما يتم رصده من حقوق عامة، وما يتم استقباله من حقوق خاصة إلى النائب العام ليقوم بدوره، كما ينبغي على هيئة التحقيق والادّعاء العام إنشاء مركز متخصص لاستقبال مثل هذه القضايا، وترك هذا الأمر بهذا الشكل الفوضوي تتحمّله الجهات الرسمية المسؤولة، وأمّا المشكلة الثانية فهي متعلقة بالمجتمع، وارتباكه، وتناقضه، وعدم انضباطه بتعاليم دينه الإسلامي الذي يحرّم الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان، والشتيمة والشماتة؛ ولذا فالدولة والمجتمع كلاهما يتحمّلان هذه المسؤولية، ويجب عليهما سرعة السعي في معالجة أمر الحرية، فلا لتكميم الحرية من قِبل الدولة، ولا لفوضوية الحرية من قِبل المجتمع، ويجب التقيد بتعاليم الكتاب، والسنّة، والأخلاق الإنسانية الفطرية التي تأنف من الاعتداء والإفساد في الأرض، والتظالم بين البشر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
Twitter: @IssaAlghaith
IssaAlghaith@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store