Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

محارب لا يستريح!

محارب لا يستريح!

كنت في مناسبة مع بعض الأصدقاء في هذا الشهر المبارك، فالتفت إلي أحدهم وبدأ يشكو من واقع الغلو الفكري الذي أنتج لنا تحكمًا بالرأي ومصادرة للرأي الآخر، فقلت له لا نختلف على الواقع ونكاد نتفق على الأسب

A A

كنت في مناسبة مع بعض الأصدقاء في هذا الشهر المبارك، فالتفت إلي أحدهم وبدأ يشكو من واقع الغلو الفكري الذي أنتج لنا تحكمًا بالرأي ومصادرة للرأي الآخر، فقلت له لا نختلف على الواقع ونكاد نتفق على الأسباب ولكن ما هو العلاج؟، فهز رأسه قائلًا: لنفتح الباب على مصراعيه للجميع ليعبر عن رأيه ولو كان متطرفًا ما دام في حدود اللسان لا السنان، فقلت له: هل الذين رفعوا علينا السلاح في الداخل - وآخر جرائمهم في شرورة جنوب المملكة الذين قدموا من اليمن حيث تنظيم القاعدة - انطلقوا من قناعاتهم أم من تعبيرات غيرهم الذين يعيشون بيننا ويغذون هذا التطرف الفكري الذي غدا إرهابًا سلوكيًا؟، فالمتطرفون المحرضون لهم الكلام والتنظير وأما الإرهابيون المريدون فعليهم التأثر والتطبيق، وبالتالي فلا يمكن أن تكافح الإرهاب بدون مكافحة منشئه الفكري الذي حرضه قبل الإرهاب وبرره بعده، ولم أكتفِ بذلك وإنما سألته عن الحلول التي يجب المبادرة بها، واتفقنا على وجوب أمرين، الأول دعم الفكر الوسطي المعتدل المتسامح، والثاني مقاومة الفكر المتطرف الدافع للإرهاب.
ثم بعد دقائق التفت إلي وقال: يا شيخ إلى متى (تبي) (تتهاوش) مع المتشددين؟، فقلت له: حتى تكف عن تناقضاتك يا جاري العزيز!، فأنت قبل قليل تشكو التطرف والإرهاب وتوجب دعم الوسطية ومكافحة الغلو، ولكن حينما تبنيت أنا هذا الفكر فدعوت للوسطية وكافحت التطرف وكان لا بد من لوازم ومقتضيات هذه الرسالة أن يكون هناك رصد ورد على المواقف بكل جاهزية وحجية ولكن بدون ذكر الأسماء من باب سنة (ما بال أقوام)، إذ بك ترتد على عقبيك وتستنكر قيامي بعلاج اتفقنا قبل دقائق على وجوبه، وهذا دليل على أننا أمة متناقضة نشكو الشيء ونطالب بشيء ثم نشجب من قاوم ما نشكو منه ونستنكر من نفذ الذي طالبنا به، في حين أن السلبية والعزلة وترك البيت للرب الذي يحميه أنفع لدنيانا ولكننا نقدم ديننا على أنفسنا ومصالحنا وهذه أمانة يجب علينا القيام بها.
ولذا أعلنت قبل أسابيع في حسابي بتويتر أنني سوف أستريح استراحة المحارب بعد معارك دامت خمس سنوات انتهت بفضل الله بهزيمة ماحقة للمتطرفين والإرهابيين والخونة والمتآمرين، كما أردت بعث ثلاث رسائل من وراء هذا الموقف، الأولى لكل مرجع سياسي وأمني وعلمي وإعلامي أننا قمنا بالواجب ويجب عليهم أن يلتفتوا إلى المعالجة الحاسمة بلا تردد وإلا فإن للبيت ربًا يحميه ولن نكون مزايدين عليهم ما داموا كذلك، والثانية للأعداء الفكريين والسلوكيين وليس للمخالفين الذين نحترمهم ما لم يكونوا خصومًا، وذلك لنقول لهم: إن الجولة انتهت والنصر قد تحقق وآخره وضع التنظيمات المتطرفة والإرهابية على قوائم التجريم لدى وزارة الداخلية فضلًا عن الإرادة السامية الحكيمة الحاسمة بهذا الشأن، والثالثة رسالة للناس عامة وللأغلبية الصامتة خاصة نقول لهم: إننا لن ننفرد بالحرب دونكم وأنتم تقطفون الثمرة حين سيادة الوسطية والعدالة والتسامح، فإما أن تهبوا لمشاركتنا وإلا فلتدفعوا الفاتورة في الجولة المقبلة، لأننا لن نبادر في كل مرة وهم على المدرجات متفرجون، ولكنني لم أعلن ترك تويتر ولا الإعلام وإنما استراحة جزئية في هذا الشق الموضوعي ومؤقتة لزمن نرصد فيه المستجدات وإلا فإن الرسالة السامية السماوية لا تتوقف مهما قلّ الناصر وإنما هي رسائل لتحفيز الأصدقاء واختبار الأعداء، في حين أنني مستمر في جميع مناشطي، ولكن حينما جاءت حادثة شرورة خرجت من استراحتي وطلقت معتكفي لأن الوطن خط أحمر والأمن لا سكوت بشأنه فأعلنتها صراحة في عشر تغريدات بتويتر ثم بحوارات وتصريحات صحفية وتلفزيونية، وفي المقابل وجدت صمتًا مطبقًا ممن أزعجونا بالأمس وفي كل يوم بالدفاع عن المتطرفين والإرهابيين لاسيما المنتمين لجماعاتهم وتنظيماتهم وأما الوطن وبلاد الحرمين فلا يستحق منهم ولو معشار عشير تلك الهبات إبان عزل مرسي على سبيل المثال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل خرج من المتطرفين والإرهابيين المقيمين بيننا من يترحم على الإرهابيين حين شملهم مع المغدور بهم من أبنائنا الشهداء الأربعة رجال الأمن حيث ساووا بين الإرهابي والضحية، وآخر راح ينصح الخلايا النائمة بعدم الخروج عن التقية وإنما السكوت لا لأن العملية إرهابية وإنما لئلا يتسبب اصطفافهم مع الإرهابيين ولو في تويتر باعتقالهم، فهل هناك أكبر وأكثر وضوحًا من هذا الإرهاب؟!
ولكن وبفضل الله تغير اليوم حال الرأي العام، وتويتر نموذج على صحة تحليلي، حيث كنا قبل خمس سنوات مثلًا لا نجد من يقاوم هذا التطرف إلا القليل، وأما اليوم فأرى الآلاف من أبناء وبنات الوطن يتولون بمبادرات ذاتية الرد على الإرهابيين ومقاومتهم وكشف حقيقتهم في هاشتاقات متعددة تبعث برسالة قوامها أن الشعب كله اليوم هو الذي يقاومهم، وأنهم مجرد أقلية شاذة منبوذة بفضل الله تعالى، وهذا يؤكد أننا في الطريق الصحيح وأن جهود المصلحين الوطنيين الوسطيين شاركت في تحقيق هذا النصر والتطور الفكري العام، وانتقلنا من كوننا كوادر مثقفة قليلة تواجه التطرف إلى كوننا سوادًا أعظم من الرأي العام لمصلحة الوطن والمواطنين بمنهج إسلامي وسطي متسامح، وفي كل يوم يزداد فرحي بهذا الجيل الذي كنا نتمنى أن يلحق بنا وإذ به يسابقنا واليوم قد سبقنا نحو الاعتدال ومقاومة التطرف والإرهاب، والحمد لله على كرمه وفضله.
Twitter: @IssaAlghaith
IssaAlghaith@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store