Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لن يُصلح حال المرور بدون ثقافة مرورية

أقوم بقيادة سيارتي يوميًّا، وأعاني الأمرّين من سوء أدب كثير من السائقين عبر تصرفاتهم الهوجاء، وتعريضهم حياتهم وحياة الآخرين للخطر، فالأنانية الشديدة تدفعهم إلى عدم الاهتمام بالآخرين الذين يستخدمون الط

A A
أقوم بقيادة سيارتي يوميًّا، وأعاني الأمرّين من سوء أدب كثير من السائقين عبر تصرفاتهم الهوجاء، وتعريضهم حياتهم وحياة الآخرين للخطر، فالأنانية الشديدة تدفعهم إلى عدم الاهتمام بالآخرين الذين يستخدمون الطريق معهم، وتراهم يأتون من أقصى اليسار، وأقصى اليمين بدون الأخذ في الاعتبار ظروف الطريق والسيارات الأخرى.. إنهم يخوضون معركة قتالية لا يرضيهم سوى أن يخرجوا منها منتصرين. لذا أجد نفسي راغبًا في الكتابة هذا الأسبوع عن المرور.
وكنت منذ بضعة أسابيع في القاهرة حيث استقللتُ مع صديق أمريكي، يعيش ما بين لندن وجنيف، سيارة أجرة من المطار إلى الفندق، وحين شاهدت الزحام الشديد في شوارع القاهرة لفت نظر الصديق الجالس بجانبي، فإذا به يلتفت إليَّ قائلاً: (وكان قادمًا لتوّه من جدة) إن المرور في جدة أكثر خطورة من القاهرة، فالسائق المصري يندفع بحدود لا يتجاوزها، ولا يُعرِّض حياة الآخرين للخطر، أمّا في جدة فهناك أسلوب عدواني في سواقة السيارة، واستشهد على ذلك بطريق الملك، حيث يرى أن السائقين ينطلقون بسرعة غير مبالين بالآخرين، بل وربما رغبة في إيذائهم.
وحتى الآن لم تهدأ ضجة الاحتجاج على نظام ساهر، الذي يستهدف الحدّ من السرعة، وتقليص الحوادث، وعندما بدأ كانت ردة الفعل عليه عنيفة، وجرى الاعتداء على العاملين على أجهزة الرصد الخاصة بالنظام، ووصل الأمر إلى مقتل أحد العاملين، كما أحرقت السيارات، وحطمت الكاميرات المرفوعة في الشوارع، وأطلقت النيران تجاه سيارات العاملين. أي أن ردة الفعل كانت عدوانية بل شديدة العدوانية، ولازالت الحملة ضد ساهر قائمة، وإن خفّت حدّتها. ممّا يشير إلى أن الحالة النفسية لسائقي السيارات بالمملكة تواجه مشكلة عندما تتخذ إجراءات لمراقبتهم والحدّ من سرعتهم. وقال تقرير نشرته المجلة الدولية للعلوم الكهربائية والتقنية: إن إجمالي الحوادث المرورية في المملكة عام 1428هـ كان حوالى أربعمائة ألف حادثة نتج عنها ما يزيد عن ستة آلاف قتيل، وأعدت جامعة الملك سعود دراسة عن الحوادث المرورية نشرت العام الماضي ذُكر فيها أن منظمة الصحة العالمية، قدرت عدد الحوادث المرورية بالمملكة لعام 2011 بأكثر من نصف مليون حادثة أدت الى 139 ألف إصابة وما يزيد عن سبعة آلاف حالة وفاة معظمهم شباب. إلاّ أن تقريرًا مروريًّا رسميًّا نُشر في يناير 2012 قال إن البلاد تشهد أكثر من 300 ألف حادث مروري سنويًّا تؤدّي إلى ما معدله أكثر من ستة آلاف قتيل وإصابة ما يزيد عن 35 ألف شخص سنويًّا، وأن أكثر من ألفي شخص من بين المصابين كل عام ينتهون بإعاقة مستديمة. وأشار التقرير إلى أن حوالى 30 بالمئة من أسرّة المستشفيات الحكومية مشغولة بمصابي الحوادث المرورية في مدينة الرياض.
عندما بدأ استخدام السيارات في العالم، كانت بريطانيا أول دولة تحدد السرعة، وذلك عام 1865، ونص النظام حينها على أن السرعة القصوى هي ستة عشر كيلومترًا في الساعة خارج المدن، وكيلومترين فقط بالساعة داخل المدن. وفي المملكة صدر أول نظام للسيارات عام 1935 ونص على أنه «لا يجوز مطلقًا السير في شوارع المدن بسرعة أكثر من ستة كيلومترات في الساعة».
وقد بدأ تطبيق نظام ساهر بالمملكة في الشهر الرابع من عام 2010، ويقول تقرير رسمي أنه لوحظ انخفاض عدد الإصابات الناجمة عن حوادث السير في مدينة الرياض بنسبة 15.8%، وعدد الوفيات بنسبة 31.4% في العام الذي تم فيه تطبيق النظام مقارنة بالعام الذي سبقه. أمّا في مكة المكرمة فقد انخفضت عدد الإصابات بنسبة 29.7% والوفيات بنسبة 15% عن العام الذي سبقه، وفي محافظة جدة انخفضت عدد الإصابات بنسبة 26% والوفيات بما نسبته 35% مقارنة بالعام الذي سبقه، ممّا يشير إلى أن النظام الذي يعاديه البعض يؤدّي إلى تقليص الإصابات والوفيات بشكل ما كان يمكن تقليصها بغير ذلك.
إلاّ أن هذا النظام لم يؤدّ إلى تحسين أخلاق السائقين المرورية، كما أشاهده كل يوم في شوارعنا، وما أقترحه أن يتم معالجة هذا الأمر بنشر الثقافة المرورية عبر سبيلين. أولاً عبر إضافة مادة تدرس في المدارس ابتداءً من السنة المتوسطة الأخيرة وخلال سنوات الثانوية، ويقوم بتدريسها أشخاص مقتنعون بها، حتى وإن كانوا من خارج هيئة التدريس تستهدف تثقيف الطلبة فيما يتعلق باحترام الطريق وحق الآخرين فيه. ثم تكون الخطوة التالية في معالجة القصور الثقافي المروري بأن يفرض على كل ممتهن للعمل كسائق خاص أو عام العودة كل ثلاث سنوات إلى إدارة المرور لاختبار الثقافة المرورية لديه، ودخول عدد معين من الدروس لتحديث مفهومه في هذا المجال. وأعتقد أن هذا ليس مبالغة في الأمر، وإنما تربية ضرورية للتعايش في الغابة المرورية التي نعيشها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store