تصحيح حلقات "التحفيظ"المخالفة هو الحل وليس الإغلاق

توقع رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة الشريف نواف بن عبدالمطلب آل غالب أن تكون حادثة اعتداء معلم إحدى حلقات تحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة على طالب، التي نشرت على مواقع التواصل مؤخرًا، من المصائب النافعة، آملًا أن تكون سببًا في تحقق ما كان يطالب به من منع الحلقات المخالفة وإدراجها جميعًا تحت مظلة الجمعية وعدم السماح بغير المؤهلين تدريس القرآن الكريم.
وأكد في حوار خاص لـ»المدينة» أنه توجد أوامر صريحة وواضحة تمنع جمعيات تحفيظ القرآن الكريم من ممارسة أي نشاط دعوي أو تعليم للسنة النبوية والتوقف عند تعليم القرآن الكريم فقط وترك كل جهة تعمل في اختصاصها، مطالبًا بتدخل الجهات الأمنية لوقف تجاوزات حلقات التحفيظ غير النظامية وتصحيح أوضاعها ومنع غير المؤهلين من تعليم القرآن الكريم، مفيدا بأن قضية المعلم الذي ارتكب الإعتداء الوحشي ضد طفل بريء أحيلت لمقام إمارة المنطقة وسيصدر توجيه في الإجراء الذي سيتم اتخاذه، كاشفًا خلال مجريات الحوار عن أمور عدة، فإلى نص الحوار:
العنف الخفي
*أثارت قضية الاعتداء الأخير على أحد طلاب التحفيظ بمكة تساؤلات كثيرة حول دور الجمعية في الحد من ممارسة العنف في حلقات تحفيظ القرآن، أين الدور الحقيقي للجمعية حتى وصل الأمر لهذا الحد؟
- تضم الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن أكثر من سبعة وتسعين ألف طالب من جنسيات مختلفة في انحاء مكة المكرمة وقد يحدث اختلاف أحيانا بين الطلاب أنفسهم أو بعض الإشكالات، وقد يتعرض الطالب لضرب أو تأديب لكن لم يصل إلى ما شاهدناه في الواقعة الشهيرة، فالمسألة ليست ظاهرة وإنما حالات شاذة وفردية تحصل في أي تجمع مثل هذا التجمع الكبير، لكن الخطورة فيما حصل مؤخرًا أن الضرب كان عنيفًا والطفل كان يتوسل للمدرس بالتوقف عن ضربه والجرم ما كان بهذه الطريقة حتى يضرب والطفل صغير في السن، وأؤكد أن الجمعية لم يغب دورها فلها حلقات رسمية يمنع فيها حمل العصا فضلًا عن أن يضرب بها، وإذا جاءتنا شكوى من أحد أولياء الأمور أو إمام المسجد أو أحد طلاب الجمعية تتخذ الإجراء المناسب ولله الحمد لم تحدث حالات سابقة مثل تلك، فقد يحصل ضرب أحيانًا بموافقة ولي أمر الطالب بأن يسمح للمدرس بتأديب ابنه تأديبًا خفيفًا.

تأزيم الموقف
*برأيك ما السبب في تأزيم الموقف في تلك الحادثة؟
- بداية إن المدرس ليس له ولاية شرعية لتأديب الطفل إضافة إلى وضع الطفل النفسي الذي تأثر كثيرا بتعرضه للضرب أمام زملائه والمصلين في المسجد بهذه الطريقة، فضلا عن ترديد المقطع في القنوات وفي وسائل التواصل الاجتماعية مما زاد من العبء الملقى على عاتق الطفل واسرته.

إشراف ميداني
*هل توجد متابعة مستمرة لحلقات التحفيظ؟
- بكل تأكيد، فلدينا مشرفون ميدانيون للمتابعة الميدانية يوميا، يمرون على المساجد ويستمعون للطلاب ويناقشون بعض مرتادي المسجد من المصلين، ويسألون الإمام عن وضع الحلقة، ولا نسمح بتنظيم حلقات في البدروم او في الدور العلوي وإنما تكون في المسجد في المكان الذي يصلي فيه الناس وأمام الجميع في أوقات فتح المساجد، وفي المسجد الحرام لاطلاع الجميع على هذه الحلقة بحيث توجد رقابة على المدرس من جهات عدة.
حلقات غير نظامية
* أشرتم في تصريح سابق إلى أنه يوجد أكثر من 100 حلقة تحفيظ في مكة المكرمة غير نظامية، من المسؤول عن وجودها؟
- نعلم أن هناك حلقات مخالفة وغير نظامية، حيث توجد مساجد كثيرة في الجبال والاحياء العشوائية والضواحي في الشرق والجنوب والشمال لا تخضع لإشراف الجمعية، وقد طلبنا من مسؤولي بعضها الحضور للجمعية لتصحيح أوضاعها فرفضوا الحضور، فالعدد قد يكون أكبر أو أقل، وهذه تحتاج إلى إحصائية وتنسيق مع إدارة الأوقاف حتى يكون العدد واضحا وصريحا.

تصحيح أوضاع
*هل سبق وأن أبلغتم الجهات المسؤولة في وزارة الشؤون الإسلامية بوجود مثل هذه الحلقات غير النظامية؟
- وزارة الشؤون الاسلامية تتلقى التقارير أولا بأول بل هناك مسؤولون من الادارة العامة من الجمعيات يأتون للجمعيات، والمخالفات يتم رفعها أحيانا لاخذ التوجيه، أما فيما يخص الحلقات غير الخاضعة لاشراف الجمعية فقد استقصى المجلس الأعلى لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في عام 1421هـ وسمع من جميع الجمعيات عن الاسباب المخالفة واصدر قرارا بتصحيح أوضاعها، ونص بقرار عام 1422هـ بألا يفتتح مستقبلًا أية حلقة عن طريق الجمعيات، ووجه للمناطق للإدارات الحكومية بذلك، فالتعليمات مبلغة وتحتاج للتذكير.
تقنين الدعم
*السؤال الذي يطرح نفسه من الذي يدعم الحلقات غير النظامية؟
-إذا كنت تقصد الحلقات المخالفة، فالناس يدعمونها أحيانًا بحسن نية كونها حلقات لتعليم القرآن الكريم، لكن أدعو الجميع أن يكون الدعم عن طريق الجمعية، لان الجمعية تملك دفاتر ومستندات محاسبية يعلم ما هو داخل وخارج، وكم صرف على هذه الحلقة، وكم وصل من تبرع، وكم أنفق، ويوجد مكتب محاسب قانوني يراجع حسابات الجمعية، وآخر من قبل وزارة الشوون الاسلامية يراجع على محاسبنا القانوني وعلى محاسب الجمعية، ولا نسمح بجمع التبرعات كما أننا لا نتقاضى من الطلاب رسومًا، فيما تتقاضى بعض الحلقات المخالفة رسومًا من الطلاب، وبعض المدرسين يتسربون من الجمعية بحجة أنه يدرس في أكثر من حلقة ليحصل على أكثر من مكافأة، فحقيقة أن هناك مخالفات كثيرة، والوضع يحتاج إلى تصحيح بصورة عاجلة.

في علم العيب
*هل معلمو ومعلمات الحلقات غير النظامية مؤهلون لتعليم القرآن الكريم؟
- أود ان أشير أولًا إلى أن جميع معلمي الجمعية لا يسمح لهم بالتدريس قبل ان يتخرج من المعهد ويكون مؤهلًا خلقيًا وعلى حسن معتقد لأنه لا يمكن أن نترك أبناءنا مع مدرس منحرف عقديًا أو سلوكيًا، لكن الحلقات المخالفة لا يعلم ما يتم فيها والاشكالات تحصل فيها وللأسف تنسب للجمعية.
خطورة التطرف
*لماذا لا يدخل في نشاط الجمعية تنظيم دورات للموجهين والمعلمين حول خطورة الغلو والتطرف والعنف؟
- لدينا أوامر عليا بعدم ممارسة أي نشاط غير القرآن الكريم، فلا نستطيع إقامة برامج دعوية أو تعليم السنة النبوية، لكن وردتنا تعليمات وقرار قبل ستة أشهر من الوزير بممارسة التدبر عن طريق المعاهد، خاصة أن معظم طلابها كبار في السن وعقلاء وشباب بعضهم في الجامعات، وهناك خطة لتفعيل هذا القرار، اما طلاب الحلقات فمعظمهم صغار في السن وملء رؤوسهم بمثل هذا يكون حملًا عليهم، ولكن نعلمهم بعض الأوراد ورضى الوالدين وخُلق القرآن والتأدب في بيوت الله والآداب الخفيفة، فيما تنظم البرامج الدعوية والتوعوية للمدرسين والمشرفين، حيث تعقد لهم دورات في ذلك وأخرى تربوية وتوجيهية وفي الجودة والإتقان والجودة في التعلّم والأنظمة.

فهم خاطئ
*قلت إنك ستستقيل من الجمعية إذا ظهرت فيها مخالفات، ماذا تقصد بذلك؟
-ما قلته هو أنه في حالة انضباط الجميع ودخول الحلقات المخالفة تحت إشراف الجمعية والتزامهم بالأنظمة والتعليمات وحصلت مخالفة مثل ما رأينا في المقطع المنتشر من ضرب وجلد بهذه الطريقة، فسأتحمل وبكل شجاعة المسؤولية كاملة، وأكون مسؤولا عن هذا، ولن أعمل يومًا واحدًا في الجمعية، وسوف أتقدم باستقالتي لأني اعتبر نفسي حينها قد فشلت في إدارة هذه الحلقات.

تصحيح لا إغلاق
*هل طلبتم إغلاق الحلقات المخالفة بناء على حادثة ضرب الطالب؟
- لقد طلبت بتصحيح أوضاع الحلقات المخالفة لا إغلاقها، ففي حال إغلاقها فإن المتأثر الاول والأخير هم أولياء الأمور والطلاب والمجتمع بأكمله، ويمكن أن نرسل لها مدرسين لحين تصحيح الوضع.

دعم سخي
*ماذا عن دعم الدولة للجمعية؟
-هذه الجمعيات قائمة من عشرات السنين، وقامت بدور فاعل، والدولة أعزها الله تدعم هذه الجمعيات، فخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله تعالى- دعم الجمعيات بالمملكة قبل سنتين بمائتي مليون ريال، كما منحت الدولة أراضي بالمجان لتقيم الجمعيات مقراتها عليها، إلى جانب تخفيض رسوم الدوائر الحكومية للجمعيات.

تكريم وتقدير
*هل يقتصر الدعم على ذلك؟
-لا، فالدولة أعزها الله ورعاها تقيم مسابقات قرآنية لطلاب هذه الجمعية، وتقدم لهم الجوائز النقدية الكبيرة لتشجيع الطلاب وحثهم على التنافس في هذا المجال، وهناك خطاب من الملك فهد -رحمه الله- سابقا اهتم بهذه الجمعيات أوصى لها وأنشأ، حيث صدر أمر سام بانها تكون تحت إشراف وزارة الشوون الإسلامية والأوقاف، وجميع هذه الاهتمامات نابعة من حرص الدولة رعاها الله، بالإضافة إلى تقديم الدولة إعانات سنوية كبيرة لهذه الجمعيات، كما لا يخفى عليكم أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- رعى قبل ثلاث سنوات حفل الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيسها، وإصدار السجل الوثائقي لتدوين وتأريخ إنجازات هذه الجمعية المباركة.

عناية فائقة
*بماذا تترجم اهتمام الدولة بجمعيات التحفيظ؟
- هذه الرعاية تعتبر تتويجا لجميع جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة، وأرجو من الجميع ان يعلموا ان هذه الدولة -أعزها الله- دستورها القرآن، وهي الوحيدة في العالم التي تطبق تعاليم القرآن وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، حيث رعت وترعى القرآن وتعتني به، فها هي تطبع المصحف الشريف في المدينة المنورة طباعة خالية من الأخطاء والخلل كما يحدث في بعض الطبعات الاخرى كما هو مشهود، فضلا عن تخصيص قناة تلفزيونية وأخرى إذاعية لبث القرآن الكريم على مدار الساعة بأصوات أبرز القراء في العالم الإسلامي، كما أن خادم الحرمين الشريفين انشأ كرسيا باسم كرسي الملك عبدالله للقرآن الكريم في ثلاث جامعات سعودية بهدف تحقيق الريادة في تقديم الخدمات البحثية والاستشارية المتخصصة في مجال علوم القرآن الكريم داخل المملكة وخارجها وبيان يسر القرآن وبركته وإعجازه العلمي وانه رحمة للعالمين، وأنوه إلى المكرمة التي صدرت من قادة هذه الدولة بتخفيض مدة محكومية السجناء، الذي يحفظ القرآن كاملا يعفى من نصف المحكومية، والذي يحفظ منه اجزاءً يعفى عنه جزءً من المدة، فهذه المكرمة أتت ثمارها وأينعت بفضل الله تعالى، واستفاد منها مئات النزلاء في السجون، وهذا من توفيق الله -عز وجل- لقادة هذه الدولة المباركة، وهذا مصداقًا لقول الله تعالى: (إنّ هِذَا القُرْآن يَهْدِي للِتِي هي أقْوَم ويُبَشُرُ المُؤمِنيْنَ الَذِيْنَ يَعْمَلُوُنَ الصَالِحَاتِ أنّ لَهُمْ أجْرًَا كَبِيْرًا) هذه ولله الحمد ميزات هذه الدولة العناية بالقرآن وأهل القرآن.
*كلمة أخيرة تود أن تقولها في نهاية اللقاء.
- أرجو وآمل من جميع من يحاولون استغلال حادثة ضرب الطالب لتشويه حلقات الجمعية ان يعودوا لرشدهم وان يفيقوا من هذه الغفلة، لأن كبار قادة الدولة يعتنون بجمعيات تحفيظ القرآن عناية كبيرة، فنحن نقبل التصحيح والتطوير، أما ان يدعي البعض انه حان الأوان لإغلاق هذه الحلقات ومنعها لانها سبب لتفريخ الإرهاب والانحراف الفكري، فهذه الإدعاءات مردود عليه، لان الحلقات ولله الحمد لم يعرف ان طالبا من طلابها وجد مع المطلوبين أمنيا، او المنحرفين سلوكيا او عقديًا، او مع أولئك الذين ذهبوا لأماكن الحروب والقتال فهذا القرآن بأمر الله محصن.