Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تناقض البشر (2ـ 2)

هؤلاء الذين قد خرجوا من دائرة الصدَّاقة، ستجدهم دائمًا ينفرون منك، ويجادلونك ويعارضونك كلما اجتمعْتَ معهم في مجلس ما، ومنهم من يتخطَّى مرحلة الأدب إلى مرحلة اللا أدب، ويسيء إليك بشكل فيه من الجرأة وال

A A
هؤلاء الذين قد خرجوا من دائرة الصدَّاقة، ستجدهم دائمًا ينفرون منك، ويجادلونك ويعارضونك كلما اجتمعْتَ معهم في مجلس ما، ومنهم من يتخطَّى مرحلة الأدب إلى مرحلة اللا أدب، ويسيء إليك بشكل فيه من الجرأة والحماقة ما تشمئزُّ منه نفسك، ومثل هؤلاء ليست لديهم نيَّة صادقة، ولا سياسة واضحة؛ إنما يتبعون سياسة الأهواء، لا سياسة العقلاء المتدبِّرين لأمرهم ولأمور مَن حولهم، إنهم لا يريدون أن يخرجوا من القوقعة المغلقة إلى مرحلة احترام النَّفس أو إلى مرحلة الإنسانية؛ لذلك يجب علينا الحرص على تجنيب علاقاتنا الخداع والتضليل، ومن الوقوع في تعاملاتنا مع مثل هذا النَّوع من البشر الذين يتمثل فيهم حب الذات واتباع هوى النفس، ونسيان القيم السامية، وتجاهل آراء الآخرين.
ومنهم بعض الأصدقاء، الذين يتظاهرون بصداقتهم لك؛ ولكنهم لا يهدأ لهم بال حتى ينفثوا سمومهم، ويجعلوا من النَّاجحين هدفًا لبث أحقادهم، ويقوموا دائمًا بمعارضة كل من يخالف رأيهم، فسبحان الله.. ما أجهلهم!! إنَّ هذا النّوع من البشر يقلقهم مثابرة غيرهم وما يبذلونه في جدهم واجتهادهم، وقد يفحمهم نشاط غيرهم وكفاحهم في هذه الدنيا..
وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ
أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ
فترى المشكلة فيهم؛ لذا تراهم يكرهون أن يروا غيرهم يتقدَّم، ويكسب سمعة عطرة، وهم في عمق سباتهم لا يستطيعون أن يمضوا مع الناجحين، هم يفضِّلون كثرة النَّوم والكسل، ولا يفارقهم النَّدم، وهم حريصون على حضور المجالس التي لا فائدة منها، مع أن النَّاجحين لا ذنب لهم سوى أنَّهم خالفوهم لبطلان رأيهم، وقد واصلوا المثابرة بالصَّبر والحنكة والعمل الدَّؤوب.
فعلى كل صاحب رأي لديه همَّة عالية أن يعلم أنَّ اختلاف وجهات النظر اختلاف فقط وليس خلافًا، فلنحاول إصلاح الرأي الخاطئ، ولْنبْنِ ولا نهدم، ولنصُنْ ولا نبدد، وليحرص كلٌّ منّا على أن يقدم المعروف والخير بقلب سليم، ولا يندم أبدًا على معروفٍ قدَّمه، ويظل مرفوع الرأس لا يتقهقر، ويسير بعقل مستنير، ويعيش طموحًا مثابرًا، ويكافح ويناضل ويتغلَّب.. فهذه هي سُنَّة الحياة، وإذا خاب أملنا في أمر من الأمور؛ فلنجعل من هذا حافزًا، وإذا وهن عزمنا؛ فلنصنع من التَّعب سوطًا، وإذا انتابنا يأسٌ؛ فلنخلق من اليأس أملًا وبركانًا، وليكن لنا مثلٌ أعلى، ولنُقبل على الحياة ونعيشها قوّة وضعفًا.. صحةً ومرضًا.. لذةً وألمًا، ولنمض مرفوعي الهامة.. نعيش تجربة وحكمة ونتغلب.. نعيش ثقافة ومعرفة ونجاهد ونجتهد، ولنحمد الله ـ عز وجل ـ على كل حال نحن فيه، ولْنرضَ بما قسم لنا وقُدِّر، ولنترك البغضاء والشَحناء، ولنعمل في إخاء.
وعلى كلِّ منَّا أن يبدأ بنفسه، كما أنَّ علينا أن نحرص كل الحرص على احترام أنفسنا قبل أن نحرص على احترام الآخرين لنا، ونحرص على أن تكون العلاقة بيننا في أسمى صورها الحميدة، ونحن نعلم بأنه مهما طالت الأعمار فلابدَّ من محاسبة الخالق لنا، وبذلك فنحن بالصدق نفتح أبواب الحب ونعام الصادقين، وعلينا ألا نطيع النفس في هواها وألا نناصر ذا هوى.. قال تعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا» (الكهف 28) فمن ناصر ذا هوى خاب سعيه، وبطل رأيه، ولو نظر بعضنا في معاشرته مع الآخرين وقرأ صفحات الأيام لوجد أنَّ الصادقين في تعاملهم وتعاشرهم هم الذين نجحوا؛ لأن قواعدهم أسست على الصدق والمعاشرة الحسنة، أما الذين ينتهزون المكر في تعاملهم مع الآخرين، ويحاولون تمرير الكذب، ويتجنبون كلمة الصدق؛ معتقدين بذلك أنهم سوف يُفلحون نقول لهم: ما بُني على الغش سوف يذهب جُفاءً، والآية الكريمة تُظهر لنا هذا المعنى، قال تعالى: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ» (سورة الرعد 17).
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store