Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

شبر مية

مثل شعبي دارج نتذكره ذو معنى، ويعود إلى أذهاننا كلما هطلت زخات المطر على جدة، أتذكرون المثل، الذي يقول (فلان يغرق في شبر مية)، ويدل على من هو قليل حيلة ولا يستطيع أن يجد لنفسه حلًا في أبسط مشكلة يقع ف

A A
مثل شعبي دارج نتذكره ذو معنى، ويعود إلى أذهاننا كلما هطلت زخات المطر على جدة، أتذكرون المثل، الذي يقول (فلان يغرق في شبر مية)، ويدل على من هو قليل حيلة ولا يستطيع أن يجد لنفسه حلًا في أبسط مشكلة يقع فيها، هذا المثل يمثل معاناة جدة مع الأمطار والسيول ومشكلات تصريفها وإزالة آثارها ومعالجتها، وهو الملف الأهم لعروس البحر الأحمر (جدة)، فالأمطار التي هطلت على محافظة جدة خلال يومي الجمعة والسبت الأسبوع الماضي، أعادت لذاكرتنا الضعيفة هذا المثل بكل ما يحمله من دلالات، كشفت الأمطار الأخيرة عن ضعف في مشروعات التصريف، التي أُنشئت أخيرًا في بعض المناطق، مما سبب مخاوف الأهالي من تكرار مآسي الأمطار والسيول التي عايشناها في السنوات الماضية في أمطار وسيول عام 1430هـ، وكذلك عام 1432هـ، التي تحولت فيها العروس إلى برك ومستنقعات وأحواض عائمة وظلت ذكريات هاتين التجربتين في أذهاننا إلى أن جاءت استجابة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- للكارثة التي حلت بأبنائه من أهالي جدة ووجه- رعاه الله- بالإصلاح الفوري.
وها نحن نعايش الآن للمرة الثالثة هذه الذكرى الأليمة، التي تمثلت في تساقط كميات كبيرة من الأمطار غير مألوفة في سجل مدينة جدة المُناخي، وتسببت في إعاقة الكثير من مظاهر الحياة في جدة، تلبكات مرورية حادة وتعطل سيارات بركابها وتساقط أشجار ولوحات إعلانية والتماسات كهربائية ومستنقعات تحولت لمواطن لتوالد الحشرات الزاحفة والطائرة وغير ذلك كثير، حيث حدثت مشكلات كوارث السيول والأمطار نتيجة لعدم وجود شبكات كافية لتصريف مياه الأمطار والسيول أو لضعف التصريف في شبكاتها وقنواتها خاصة قنوات الأمطار، وسوء استخدام الأودية، والتأخر في إنجاز مشروعات تصريف الأمطار والسيول، وسوء واضح في مناسيب وميول بعض الشوارع الرئيسة والفرعية، وعدم وجود فريق فني أو ضعفه في رصد الملاحظات على الطرقات والشوارع ومتابعة أداء الشركات العاملة على تنفيذ المشروعات وأدائها والرفع بقصورها.
ومن جانب آخر عدم تنفيذ أو عدم تطبيق خطة مواجهة الأمطار، التي تهطل بكميات غزيرة، وضعف أو عدم صيانة قنوات تصريف المياه بالشوارع، ولابد من تحليل أنظمة وشبكات الصرف الصحي والأمطار لمعرفة مدى استيعابها لتجمعات الأمطار.
ومن المؤسف أن يتكرر غياب خطط إدارة الكوارث والأزمات والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة، ولابد من التوضيح بأن المؤشرات تقول إن المتغيرات المناخية، التي تجتاح العالم تنبئ بأن المملكة العربية السعودية ستكون من الآن منطقة لنزول الأمطار الغزيرة بين الفينة والأخرى وعدم استقرار الأحوال الجوية، ولابد من وضع استراتيجيات جديدة في ظل المعطيات الجديدة.. وبالرغم من وجود جوانب سلبية للأزمات إلا أنها لا تخلو من الجوانب الإيجابية في أن ننظر بعمق إلى الملاحظات لنعرف أنفسنا أكثر في مثل هذه الأزمات، بل ونتعرف إلى ملامح وتركيبة مجتمعنا من الداخل، إذ نشاهد فيه من جانب المواطنين والمتطوعين النبلاء وخاصة الشباب منهم مزيدًا من صور البذل والعطاء، وهم يرسمون أجمل صور الوفاء للوطن ولمدينتهم جدة العروس، والذين جازفوا بأرواحهم وغامروا بحياتهم وأنقذوا بسياراتهم وساهموا في تسيير الحركة المرورية في الاختناقات التي حدثت، تلك صور جميلة لن تمحى من ذاكرتنا، ولكن ونحن في مواقف تاريخية لكارثة تاريخية لابد من المكاشفة والمصارحة لمعالجة السلبيات، التي تجلت في الكارثة، وكما أشدنا بالمتطوعين من مواطنين وشباب الوطن المليء بالحماسة والأريحية والنفوس التواقة للخير، فلابد من أن ننبه لما لاحظناه من تصرفات طائشة من بعض الشباب وغيرهم من التسابق تسابقًا أرعن بالسيارات الكبيرة، وحتى لا تتكرر هذه التصرفات في أزمات أخرى ويشوهوا الصورة الجميلة، التي رسمها المواطنون وشبابنا الرائع حفظ الله الجميع من كل مكروه وسوء.
إن أمطار جدة تتكرر بمخلفاتها رغم جهود متناثرة هنا وهناك ولكنها ليست على المستوى المأمول ببذل كل الإمكانيات لمعالجة وإزالة آثار السيول والأمطار وتضميد الجراح وتجفيف الدموع، وهي أزمة تؤكد لنا حاجتنا لمزيد من تضافر الجهود لوضع الآليات وتحديد الأساليب المنهجية المؤسسية لتعزيز الوعي بأهمية العمل التطوعي ليصبح واقعًا معاشًا وثقافة مجتمع أكثر من كونها جهودًا وقتية.
نأمل أن لا تغرق آمالنا مزيدًا ولابد من أن نتجاوز مثل هذه الأزمات لمياه الأمطار ومجاري السيول وإكمال مشروعات تصريف مياه الأمطار والسيول لجهات ذات مصداقية وسمعة هندسية جيدة في تنفيذ المشروعات، ومتابعة هذه المشروعات والتأكيد من وجود خطط فعالة ممكنة التطبيق للإخلاء وإدارة الأزمة، ويبدو الطريق أمامنا طويلًا (حتى لا نغرق في شبر مية).
حفظ الله وطننا ومجتمعنا من كل مكروه وسوء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store