Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ليبيا : همّ دولي – إفريقي – عربي

في أكتوبر 2011 ، أي منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، تجمع محامون وناشطون في مظاهرات بمدينة بنغازي الليبية ، عجزت السلطات الأمنية المحلية عن معالجتها .

A A
في أكتوبر 2011 ، أي منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، تجمع محامون وناشطون في مظاهرات بمدينة بنغازي الليبية ، عجزت السلطات الأمنية المحلية عن معالجتها . فما كان من الدكتاتور الليبي إلا أن أرسل فرقاً عسكرية بدباباتها وعدتها الحديثة لمواجهة المتظاهرين وإعادة السيطرة على المدينة . كان المتظاهرون متأثرين بالإنتفاضات التي أطلق عليها الإعلام الغربي مسمى ( الربيع العربي ).. في تونس ومصرتيمناً بما سموه ( ربيع براغ) الذي كان بداية مرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي . وكان من الواضح حينها من التسمية التي أطلقت والناشطين الذين ظهروا بدعم غربي في كل الانتفاضات العربية أن الهدف لم يكن إسقاط نظام هنا أو آخر هناك بل استهــــدف التحرك ، بالنسبة للغرب الذي دعمه ، بالإضافــــة إلــى مسيرة قناة ( الجزيرة) منذ بدايتها ، القضاء على النظام العربي بكامله وإعادة بنائه بالشكل الذي أراد المخططون تحقيقة . وهو هدف شاركتهم فيه ، أو في بعضه ، تطلعات الجماهير العربية المغلوب على أمرها ، والتي عجزت الأنظمة القائمة عن توفير مسارات آمنة لهم يشاركون عبرها في صنع القرارات المتعلقة بحياتهم .
وعجزت الأحداث في بنغازي عن إلهام جماعات أخرى للتحرك في الشوارع ، وكان من الواضح حينها أن وصول قوات القذافي الإضافية ستؤدي إلى قصف المدينة بسكانها وإلى مذبحة . فقرر الرئيس الفرنسي ، ساركوزي ، إرسال مقاتلاته لضرب القوات المتقدمة إلى بنغازي قبل وصولها إلى المدينة . وتبعته دول الناتو خاصة بريطانيا وأمريكا . وأعلن الأمريكيون على لسان وزيرة خارجيتهم في ذلك الوقت ، هيلاري كلينتون ، أن أمريكا تقود التحرك ( من الخلف ) .
اليوم ونحن نتأمل ماوصل إليه حال ليبيا وسكانها نتساءل فيما إذا كانت حملة الناتو لإسقاط القذافي سابقة لأوانها ، أو أنها سيئة في إستراتيجيتها ، إذ أسقط الناتو القذافي وترك البلاد بدون دولة ولا جيش ولا أمن (مثلما حدث في العراق). وقامت مليشيات مسلحة بملء الفراغ بفرض نفسها بقوة السلاح وعبرالتنافس فيما بينها على البلاد . وتحول المواطن إلى شخص خائف في بلاده على نفسه وأهله ولقمة عيشه . وهناك بالطبع من يقول أن الثمن الذي يدفعه الليبيون ( ومثلهم السوريون والعراقيون واليمنيون والصوماليون ) لا بد منه للوصول إلى الدولة الديمقراطية التي يبشر الغرب بها ويراها ( الدولة الفاضلة ) من وجهة نظره وكذلك عدد لا يستهان به من الليبراليين العرب . يضاف لهم الإسلام السياسي المتشدد الذي يسعى لاستغلال الظروف الحالية لبناء الكيان السياسي المناسب لحكمه أكان بمعايير داعش أوالقاعدة أو الإخوان أو غيرهم .
منذ بضعة أيام أعلنت الأمم المتحدة تجديد محاولتها لجمع الليبيين المتناحرين تحت مظلة حوار وهي مهمة صعبة ، فهناك مئات المليشيات المتنازعة ، ولا توجد جماعة واحدة تستطيع ادعاء إطلاقها الثورة وكل منها له مليشيات تمركزت في إحدى المدن وحاربت معاركها فيها ، ولدى المليشيات أهداف مختلفة ويجمعها عامل مشترك واحد هو المال والسلطة ، وترغب كل منها في توسيع قطعة الأرض التي تسيطر عليها وليست راغبة في تغيير الوضع الحالي . وهناك إسلاميون وانفصاليون وليبراليون يتوزعون غالباً حسب انتماءآتهم القبلية والمناطقية ، وأعلنت إحداها المنطقة التي تسيطر عليها ولاية تابعة لدولة داعش .
ومنذ سقوط القذافي عام 2011 شهدت البلاد خمس حكومات سقطت الواحدة بعد الأخرى ، وجرت انتخابات لمجلس وطني في العام التالي فاز الإسلاميون المتشددون بالسيطرة عليه ، ولكن عندما عجزوا عن تحقيق أغلبية لهم في الانتخابات التي جرت العام الماضي لاختيار البرلمان ، رفضوا الإعتراف به بل وقامت مليشيات تابعة لهم بالهجوم على طرابلس ، العاصمة ومقر البرلمان ، مما اضطر المجلس المنتخب الجديد للفرار إلى طبرق ( سكانها 000ر120 شخص ) واتخاذ فندق قديم في المدينة مقراً لهم والحكومة التي اختاروها واستأجروا باخرة يونانية (تنقل السيارات ) راسية في الميناء لتكون سكناً للمسئولين وعائلاتهم الذين فروا من مناطقهم خشية الاقتتال والبطش .
هناك حكومتان وبرلمانان ومئات المليشيات المسلحة المتصارعة . وهناك كمية كبيرة من البترول في ليبيا تجعلها صاحبة أكبر احتياطي للبترول في أفريقيا . وهناك أيضاً رغبة قوية لدى المجتمع الدولي ( أمريكا وأوربا ) لجعل النظام القادم في ليبيا نموذجاً يمكن الاحتذاء به في كل أفريقيا .. فما الذي ستقدمه الأمم المتحدة من حلول للمعضلة الليبية الحالية ؟ وما هي خارطة الطريق الليبية المتوقعة ؟ .. من المرجح أن تجد إجابة على هذه الأسئلة خلال وقت لن يكون بالبعيد .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store