قصور الحلواني بالطائف.. آثار تنتظر الرعاية

تعد قصور الحلواني شواهد تاريخية وأثرية عَلى تاريخ الطائف وبدايات تأسيس المملكة العربية السعودية، وبعض هذه القصور لا يزال قائما وشامخا في وجه الزمن وعوامل التعرية وبعضها الآخر قامت عائلة الحلواني بترميمها والأخيرة منها لم تستطع الصمود وتساقطت بعض معالمها.
فيقول محمد حلواني عن تلك القصور من حيث الأهمية والتاريخ: لنبدأ بقصة بيت المالية فلقد كان مقرا إداريا وماليا واجتماعيا بسوق الطائف اليوم حيث كان جدهم يدير منه تجارة حلقة الخضروات والفاكهة التي أسسها بالطائف ويقرض المزارعين قروضا غير ربوية ويخرج الزكاة ويصلح هو وأعيان الطائف بين المتخاصمين ويعتقون الرقاب. وكما كان أيضا يقبل الرهن ويستبدل العملة وحفظ له التاريخ كونه أحد أول من أقرض الفروض الزراعية بالطائف وأحد ركائز وأركان النهضة الزراعية وكما كان مقصدا لنزول الحجاج القادمين من الجنوب واليمن ونقطة انطلاق للحج والعمرة ولبعض عادات آهالي الطائف مثل الركب الطائفي واستأجرته الدولة السعودية فيما بعد ليصبح مركزا ماليا ولا زال هذا البيت معروفا باسمه بعد ترميمه من قبل الورثة حيث أصبح دكاكين تحتوي على مكتبة ومحلات أخرى مثل مبشور الطائف وخلفه تقع حارة الحلواني التي تحتوي على ما تبقى من منازلهم وما عرف أيضا ببيت الصحة الذي كان أول مقر للعيادة والهلال في عهد الدولة السعودية ومن ثم ينطلق بِنَا الحلواني نحو وادي محرم بمنطقة الهدا حيث قصره الذي عرف قديما بقصر الدار البيضاء في ريع أبو العيد أو كما كان يحلو لهم تسميته بمصر الصغير لكثرة الوفود الدولية المختلفة التي كانت تزوره أثناء نزول الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- به وأبنائه الملوك سعود وفيصل -رحمهم الله- حيث يذكر الحلواني أن القصر كان أشبه بمقر دائم للملك سعود -رحمه الله- إن لم يكن بقصره بالحوية وإنه كان آخر نقطة تصل إليها السيارات ويعاود الحلواني الصعود بِنَا إلى منطقة الهدا عبر الطريق الذي شقه جده -رحمه الله- من النقبة الحمراء إلى أملاك جده بالهدا بالمعالي التي اشتهرت بالورد الطائفي ودكاك الحلواني التي اشتهرت لمجاورتها بالدروب الأثرية (درب المشاة والدواب) و(درب الجمالة) حيث كانتا استراحتين للمسافرين بنى بهما منازل ودور وجهزهما بكل أدوات المبيت والضيافة وأصبحت الأولى منهما مقرا صيفيّا للدولة ولانعقاد الاجتماعات الخاصة واستقبال كبار الضيوف والتي لا زالت مجاورة لفندق ارمادا وتلفريك الهدا أما الثانية منهما فاشتهرت بكونها استراحة للمسافرين حيث لم يعد بوسع المسافرين الاستراحة بالدكة التي أصبحت منتجعا للملوك وللأسرة المالكة الكريمة ويبدو أن فكرة شق الطرق أخذت الحلواني من أعلى نقطة في رأس جبل الهدا إلى أبعد نقطة في جنوب الطائف بوادي ليه ووادي نخب واللذان اشتهرا بتلك الفترة بكونهما منتزهات خضراء يطيب للمارة ولعموم الناس الجلوس بجوار ضفاف المياه الماشية من جراء الأمطار والسيول فاتخذ له بضعة بيوت أخرى أيضا لعل أشهرها قصر أبو حجارة الذي جرى به حفل الانتصار على ابن رفادة ومن ثم جرى به أول حفل وطني بتاريخ المملكة، إذ اقترح الحلواني مع أهالي الحجاز تغيير اسم المملكة لمسماها الحالي ونزل الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- مع أبنائه الملوك وأصحاب السمو الملكي بهذا القصر سبعة أيام امتلأت فيها المنطقة بالأعيان والوجهاء وأهالي الطائف الفرسان والشعراء في حفل متعدد الأنشطة، ابتداءً من المبارزات الشعرية والأناشيد وسباق الخيل وانتهاء بالرقص بالسيوف وعبر الطرق الذي شقها الحلواني من قصر أبو حجارة بوادي ليه العلوي ومرورا ببلاد سعيدة المجاورة لعين سعيدة يقبع بيته الذي كان مقرا لحفلات الملك فيصل الشعرية منذ كان نائبا للملك عبدالعزيز بالحجاز وأن القصر لم يدخله سواه عدا أبناء الملك فيصل وأكثرهم حضورا مع والده صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله-.
وعن قصر (البواطن) قال الحلواني: قصر البواطن كان مقرا للحفلات العسكرية وحفلات الجيش ووزارة الدفاع حين كان صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز -رحمه الله- وزيرا للدفاع وحين خلفه أخيه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز وزيرا للدفاع.

قصر جواس
وهو أيضا أحد قصور الحلواني في وادي ليه السفلى ويقع في رأس أحد الجبال وكان مقرا اجتماع أصحاب الفضيلة مفتي الديار والعلماء والمشايخ والقضاة وأن المزارع المجاورة له في منطقة خد الحاج وهي المختلطة وأم السلم والملوخية والسلطانية كانت مقصدا للحجاج لقربها من درب الحاج التهامي اليمني وإن أغلب هذه القصور والمزارع لا زالت ضمن أملاك عائلة الحلواني: وقال محمد حلواني أن جده اشترى بعضها من أهالي المنطقة وبنى بعضها الآخر بأيدي عاملة أغلبها كان من اليمن وأن جده رحمه الله كان يقوم ببناء مسجد أو غرفة خاصة للصلاة بهذه البيوت والقصور ويضع بها شخصا واحدا ليكون إماما ومؤذنا وحارسا لها يقوم بتحفيظ القرآن للأطفال مقابل راتب شهري وأضاف بأن جدهم الحلواني كان يقدم مكافآت لحفظة القرآن الكريم في هذه المساجد وأن المكافأة غالبا تكون جنيه ذهب أو فضة.
وبعض قصور الحلواني الأخرى كانت تحتوي على مخازن الماء في جدران القصر داخل الغرف ويقوم العاملون بمزارع هذه البيوت والقصور على الحرص على ملئها دائما من بئر المزرعة وكما أن الغرفة الخاصة بالصلاة تحتوي على خزان ماء واتجاه القبلة وبعضها يحتوي على مكان مخصص للإمام وعلى رفوف للقرآن الكريم.

كتب التاريخ وقصور الحلواني
ذكرت قصور الحلواني في الكتب بتميزها بالبناء الإسلامي في النقوش ورواقين النوافذ ويقول الحلواني إن أجمل القصور من حيث البناء هي قصر (أبو حجارة) حيث يتكون القصر من ثلاثة طوابق وبه أربعة مداخل كل مدخل منفرد في أحد جهات القصر الأربعة فمدخل خاص للضيوف ومدخل آخر للنساء ومدخل آخر للعاملين ومدخل آخر باتجاه البساتين وفيما يتعلق بمدخل العاملين فهو يتجه نحو ملاحق القصر الأخرى فهناك ملحق خاص بجلوس العاملين وملحق آخر للطباخة وملحق ثالث للأنعام وملحق للدواب الأخرى التي كانت تستخدم للوصول إلى المزرعة وغرف آخرى خارج القصر لتخزين الأطعمة والمحصول الزراعي وهذا عدا ساحة بداخل القصر كانت أشبه بحديقة مصغرة وكذلك هو الحال أيضا في قصر البواطن غير أنه حديث بعض الشيء والمسجد بخارج القصر وبه ملحق واحد فقط كان يستخدم لاستقبال الزوار قبل السماح لهم بدخول القصر وهو أسوأ حالا فقد أتلفت معظم معالمه من جراء الأمطار والسيول ولكن تبقى سوره الطويل والكبير دون أن يتضرر وبقيت نوافذه التي تشعرك أنها كانت مكتظة بالعسكر حين انعقاد الحفلات بها للمراقبة بوضوح حيث أن موقع القصر يكشف المنطقة من كل الاتجاهات.
وعن قصر حواس الذي تتشكل فيه عظمة البناء يقول الحلواني إنه أشبه بقلعة فوق رأس الجبل وكأنه حصن منيع وبرج للمراقبة فالصعود له فقط قد يكون متعبا ومنهكا للجسد رغم اتضاح ان البنائين قد راعوا فيه كافة الجوانب من حيث رص الصخور، المساحة والعريضة على هيئة درج وسلالم وأن المداخل والمخارج به من كل جانب ورغم ارتفاعه وعلوه وموقعه في قمة جبل إلا أنه يتكون من أكثر من طابق وبه انحناءات دائرية ونصف دائرية تجعلني أتمنى لو أن أحد المهتمين بالبناء الإسلامي والعمراني يشرح لي الفكرة من تصميم وبناء هذا القصر على هذه الطريقة.