Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

طفيليات مجتمعية!!

* من ازدواجية المتعلمين وأنصاف المثقفين التعامي الكلّي عن حقيقة اختلاف سلوكياتهم وتعاملاتهم الحياتية مع أقوالهم اللفظية وادّعاءاتهم الكلامية. ومن أهم الابتلاءات التي يعاني منها مجتمعنا هنا، في هذا الوطن، الرياء، والنفاق المجتمعي، وازدواجية المعايير. فغالبية عظمى إلَّا مَن رحم ربي تتباهى ليل نهار، وتدّعي صباح مساء الفضائل والمبادئ الإنسانية الرفيعة، وهي في واقعها الذاتي أبعد ما تكون عن ذلك كله.

A A

* من ازدواجية المتعلمين وأنصاف المثقفين التعامي الكلّي عن حقيقة اختلاف سلوكياتهم وتعاملاتهم الحياتية مع أقوالهم اللفظية وادّعاءاتهم الكلامية. ومن أهم الابتلاءات التي يعاني منها مجتمعنا هنا، في هذا الوطن، الرياء، والنفاق المجتمعي، وازدواجية المعايير. فغالبية عظمى إلَّا مَن رحم ربي تتباهى ليل نهار، وتدّعي صباح مساء الفضائل والمبادئ الإنسانية الرفيعة، وهي في واقعها الذاتي أبعد ما تكون عن ذلك كله.
* من هكذا نوعية مَن يتفذلك بالمعرفة والثقافة، ويُظهر نفسه وكأنه من أساطين الكلمة، ومن روّاد الثقافة وجهابذة المعرفة، وهو في واقع الحال، وفي حقيقته ليس سوى طبل أجوف وبشهادة لا تتعدى الابتدائية! وإمعانًا في تضليل المجتمع والمحيطين به يلبس أقنعة بحسب الجو العام، فإن كانت للصدق فهو الصادق الصدوق، وإن كانت للبراءة والعفوية فهو البريء العفيف، وهكذا في كل المعاني والمبادئ الإنسانية الرفيعة.
* المحزن في تحليل الشخصية المجتمعية في عمومها يلحظ تحولات وتغييرات انحرافية جذرية. ففي أزمنة ليست ببعيدة كانت الفضيلة سائدة في كل أركان المجتمع، وفي أسمى معانيها. وكان المجتمع بكل مكوناته البشرية رجالاً ونساءً وأطفالاً بقدر حرصهم على توافق أقوالهم مع سلوكياتهم بقدر ما كانوا حماة حازمين لأي انتهاك من أي كائن لتلك الفضائل. فالرشوة محرّمة وغير مقبولة إطلاقًا، والكذب والفهلوة لا يمكن بأي حال من الأحوال التسامح معهما واللعب بالثلاث ورقات والقفز على كل الحبال ليس لهما من مكان سوى الزبائل المجتمعية.
* أمَّا في أيامنا هذه، وعلى غير طبيعة التحولات المجتمعية السليمة، فقد تخلّى المجتمع عن دوره الرقابي، وترك الساحة لكل مَن هَبَّ ودبَّ للعب كما يحلو له بالفضيلة والمبادئ، فأصبح الصدق سذاجة، والنزاهة تعقيدًا، والمعرفة الجادة جنونًا، وسادت بديلها مصطلحات من نوعية (تحلحل)، و(خلّيك شاطر)، و(سيّر أمورك)، و(ما فيها شيء) إلى آخر المصطلحات القميئة معنى وقولاً وفعلاً.
* وخطورة سيادة هكذا ذهنية هو في تحوّلها إلى (صح) يدفع الشباب والناشئة من كلا الجنسين إلى التعلّق بها، وتبنيها في كل سلوكياتهم وتعاملاتهم الحياتية سواء المهنية أو الأسرية أو المجتمعية. وإلَّا كيف يمكن لشاب أن يفهم تسويق أحدهم من المحسوبين على الساحة الإعلامية نفسه بالنفاق الممجوج لشخصية ليس لها من دور سوى أوراق البنكنوت والشيكات!!؟؟
* المجتمع الإنساني السليم هو المجتمع الذي تتوافق فيه المبادئ والفضائل مع السلوكيات الفعلية المعاشة والممارسة على أرض الواقع، وهو بكل أسى ما نراه في مجتمعات غربية وأخرى شرقية جعلتهم يقودون العالم إنجازًا وتطورًا، بينما بقيت شعوب أخرى تقتات على موائدهم الحضارية كما هو حال أمة العرب. والشباب والناشئة الذين يعيشون في تلك المجتمعات ليس لديهم ازدواجية أخلاقية في القدرة على التفريق بين الصح والخطأ. فالغش والتدليس خطأ ويعاقب عليهما القانون، والصدق والنزاهة صح يكافئ عليهما القانون. كما أن العلم والمعرفة والإخلاص والانضباط الذاتي هي المعايير الحقيقية للتقدم الوظيفي، وللمكانة المجتمعية والأضواء الإعلامية. وهو ما يتضح بجلاء في قوائم المبدعين الحقيقيين من علماء ومثقفين وكتّاب ورياضيين ونجوم فن ومجتمع. «فأما الزبد فيذهب جفاءً» كما قال الحق سبحانه وتعالى، وهو ما يستدعي منا هنا تطهير فضائنا المجتمعي من كل الطفيليات والحشرات الضارة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store