Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أعقَلُ القوم

من الحكايات الشعبية المأثورة التي لا تزال الذاكرة تحتفظ بها على تقادم عهدها حكايةُ جماعةٍ من الناس اشتهرت بصفة قلَّ أن توجد في غيرها؛ هذه الجماعة لا تكاد تجد بينها من يملك عقلاً راجحًا أو يملك أدنى مق

A A
من الحكايات الشعبية المأثورة التي لا تزال الذاكرة تحتفظ بها على تقادم عهدها حكايةُ جماعةٍ من الناس اشتهرت بصفة قلَّ أن توجد في غيرها؛ هذه الجماعة لا تكاد تجد بينها من يملك عقلاً راجحًا أو يملك أدنى مقومات الحكمة والبصيرة، ولذا نراها تسجل مواقف عديدة كلها تنم عن غيابٍ تامٍّ للوعي والحكمة والبصيرة. هذه الجماعة عُرِفت -بحسب تسمية الآباء والأجداد- باسم جماعة (بني ماسُود) حيث كانت تتكون من زعيم ونواب وأفراد جميعهم يتصفون -كما ذكرتُ- بغياب الحكمة والبصيرة التي لازمت جنسهم العجيب. مما يُذكر عنهم أن (ثلة) منهم مرُّوا ذات يوم بشجرة سدر عظيمة، وكان ثمرها (النَّبْق) قد طاب وبدأ يتساقط بشكل كثيف، غير أن فروع شجرة السدر هذه كانت تتدلى على فوهة بئر عميقة وهو ما يعني أن النبق سيذهب في تساقطه إلى قعر البئر ما يعني عدم تمكن جماعة بني ماسود من تحصيله. في اللحظة ذاتها مرَّ بهم رجل وعندما شاهد حالهم أشار عليهم أن يبسطوا ثوبًا على فوَّهة البئر كي يَحُول دون تساقط النبق في قعرها ثم يجمعوه فيما بعد. آتت الخطة ثمارها وازدان منظر الثوب بحبات النبق المتساقطة، عندها لم يتمالك القوم أنفسَهم أمام هذا المنظر المغري فقفزوا (جميعهم) على الثوب قفزةَ رجلٍ واحد كلٌّ يريد أن يكون له نصيب من الغنيمة، فكانوا طعامًا لهوامِّ البئر. هذه واحدة من حكاياتهم التي تتفق جميعها على نقص الحكمة والبصيرة لدى هذه الجماعة مقارنة بغيرها من الجماعات البشرية، غير أننا حين نذهب بعيدًا في محاولة منا للتعرف على أَعْقَل شخص في هذه الجماعة علَّ نفحة من وعيٍ اخترقت جمجمته الغليظة فاستقرت فيها فتغدو سندًا له في مواقف تتطلب منه شيئًا من الحكمة والبصيرة النافذة فإننا حتمًا سنصاب بالخيبة حين نعلم أن (مُشفقًا) قرر الذهاب لبني ماسُود لمناصحتهم وتبيينِ خطأ ممارساتهم، وعندما مَثُل أمامهم ألقى عليهم التحية ثم بادرهم مباشرة بسؤالهم عن (أَعْقَل) رجل فيهم، فأشاروا على رجلٍ مُكَتَّفٍ (مربوطة كتفاه إلى جذع شجرة)، فقال لهم: أهذا أعقلُكم؟ قالوا: نعم. قال: ولِمَ هو مُكَتَّف؟ قالوا: لأنه لو لم يكن كذلك لجرَّ علينا مصائب عظيمة. الشاهد في الأمر أن (بني ماسود) ليسوا وحدهم من يتصف بهذه الصفات العجيبة؛ ففي بعض الدول طوائف وجماعات وأحزاب لا تخرج عن كونها (نُسخًا مكررة) من جماعة بني ماسود، بل إن بعض زعماء أو لنقل (عقلاء) تلك الطوائف والجماعات والأحزاب في تلك الدول لا يختلفون عن عاقل بني ماسود الذي مرَّت بنا قصته، ولذا فإن البحث عن عاقل بينها يمكن الرجوع إليه حال الأزمات هو أَشبه بـ (المتطلِّب في الماء جذوةَ نارِ).
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store